أكرم القصاص - علا الشافعي

دندراوى الهوارى

الفراعنة كانوا يقطعون «أنف وأذن» المرتشى وطرده خارج البلاد.. هل نعيد نفس العقوبة؟!

الخميس، 12 يوليو 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بحثت ونقبت كثيراً فى محاولة لمعرفة أسباب تقدم وازدهار الأمم، قديمها وحديثها، فلم أجد سببا جوهريا وراء هذا الازدهار سوى الضمير الحى، والقيم الأخلاقية النبيلة. 
 
الحضارة الفرعونية، أم الحضارات القديمة، كل ما أنتجته من علم فى مختلف المجالات وتقدم مبهر ومبهج، كان تأسيسا على الضمير الحى والقيم الأخلاقية الرفيعة، والفضائل النبيلة، وللمشككين دائما، نأخذهم من أيديهم ونذهب بهم إلى أم الحضارات القديمة، الحضارة الفرعونية، ونستند إلى كتاب مهم لمؤرخ أجنبى وليس مصرى، وهو «جيمس هنرى برستد» يحمل عنوان «فجر الضمير» عام 1934 كشف فيه أن مصر أصل حضارة العالم ومهدها الأول، بل وفى مصر شعر الإنسان لأول مرة بنداء الضمير، فنشأ الضمير الإنسانى بمصر وترعرع، وبها تكونت الأخلاق النفسية.
 
مصر فى نظر العبقرى «جيمس هنرى برستد»، وحسب الوثائق التاريخية، هى مهد حضارة العالم، ومنبت نشوء الضمير، والبيئة الأولى التى نمت فيها الأخلاق، وأكد بشكل حاسم وفقا لورقة بردى مصرية محفوظة فى المتحف البريطانى، أن المصريين توصلوا إلى الضمير والقوانين الأخلاقية قبل نزول الرسالات السماوية بما لا يقل عن 3000 عام كاملين، وهو ما يكذب مقولة اليهود أنهم أول ما تعرفوا على القيم الأخلاقية. 
 
هنا يتأكد لنا، وبالدليل القاطع، ومن خلال الوثائق التاريخية، وكتاب فجر الضمير أن التقدم الاجتماعى والخلقى الناضج الذى أحرزه البشر على ضفاف نهر النيل، يعد أقدم من التقدم العبرى بثلاثة آلاف سنة، وساهم مساهمة فعلية فى تكوين الأدب العبرى الذى نسميه نحن «التوراة»، ومن ثم فإن إرثنا الخلقى مشتق من ماضٍ إنسانى واسع المدى أقدم بدرجة عظيمة من ماضى العبرانيين.
 
هذا عن الحضارة الفرعونية القديمة، فتعالوا نأخذكم إلى الحضارة المعاصرة، اليابان، فمهما نقبنا وبحثنا عن الأسباب التى أدت إلى تقدم وازدهار الأمة اليابانية فى الوقت الحالى لن نجد سوى القيم الأخلاقية، والضمير اليقظ، ولكم فيما حدث خلال الأيام القليلة الماضية، بإحدى الشركات الحكومية اليابانية، عندما قررت معاقبة أحد عمالها بسبب مغادرته مكتبه لتناول الغداء قبل الموعد المحدد بـ3 دقائق، أسوة عظيمة.
وبحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية التى نشرت الخبر فقد قامت شركة مياه تابعة للحكومة اليابانية، والكائنة فى مدينة كوبى بتغريم العامل، البالغ من العمر 64 عاماً، وتوبيخه بعد أن تبين أنه يغادر مكتبه قبل بدء استراحة الغداء المخصصة له بثلاث دقائق، واكتشافها أنه كرر هذا الأمر 26 مرة خلال 7 أشهر. 
 
ولم يكتف مسؤولو الشركة بعقاب العامل إداريا، ولكنهم دعوا إلى مؤتمر صحفى متلفز، وصفوا فيه سلوك الرجل بأنه «مؤسف للغاية»، وانحنوا جميعا مقدمين اعتذارهم للشعب اليابانى كله!!
 
هنا يتأكد بما لا يدع مجالا لأى شك، أن تقدم الأمم وازدهارها، لا يتسنى إلا بالضمير اليقظ، والقيم الأخلاقية النبيلة، وتأسيسا على ذلك، فإن ما تكشفه الأجهزة الرقابية والأمنية المصرية حاليا، من قضايا فساد ورشوة، أبطالها مسؤولون كبار، طالت الوزير والمحافظ، بجانب المسؤولين المهمين فى مختلف الهيئات والإدارات، مبعثه قلة الضمير، وتشوه القيم الأخلاقية، ولا يمكن لأمة أن تتقدم وتزدهر إلا بيقظة الضمير.
 
المصريون القدماء «الفراعنة»، كما أكد لى الدكتور حجاجى إبراهيم أستاذ الآثار الشهير، كانوا ينزعجون من قلة الضمير، واندثار الأخلاق، لذلك دشنوا قوانين حازمة ومشددة، منها قطع «أذن» المرتشى ونفيه إلى منطقة «الفرما»، وهى المنطقة المعروفة حاليا شرق بورسعيد، وقريبة من سيناء، ليكون عبرة، لمن تسول له نفسه تلقى الرشوة، أو الحصول على حق الغير دون وجه حق..!!
 
الدكتور حجاجى إبراهيم لفت نظرى إلى أمر مهم فى التاريخ المصرى فيما يتعلق بالتشريعات القانونية عند المصريين القدماء وتحديدا إلى تشريعات الملك «حور محب» من الأسرة الثامنة عشرة، وكان قائدا عسكريا مبهرا، وعندما وصل للحكم فى فترة مرتبكة كانت تمر بها مصر، وعقب وفاة إخناتون بدأ وضع تشريع منقوش نصا على جدران معابد آمون وموت وخنسو التى يضمها معبد الكرنك المهيب، منها إنزال عقوبة «جذع أنف»، من يحاول اعتراض السفن والمراكب، وإعدام «الزانى» حرقا وقطع عضوه الذكرى، وإعدام من يقسم كذبا لأنه يقسم بحياة الملك!! 
 
وفى بردية فرعونية بمعبد تورينو الإيطالى ترصد قصة مهمة فى العدالة الحقة، وتبدأ القصة بأن المحكمة التى تضم 14 عضوا كانت تنظر قضية متهم فيها حريم القصر الملكى بقتل الملك رمسيس الثالث، وأثناء نظر القضية اكتشفت المحكمة أن هناك 3 من أعضائها تربطهم علاقة بالمتهمات، وثبتت أدلة الاتهامات تورط اثنين من الثلاثة، وعلى الفور كان قرار المحكمة بتوقيع عقوبة جَذع الأنف عليهما!
أيضا كانت عقوبة المرتشين والمفسدين، فى العصر المملوكى، النفى خارج البلاد، وهناك واقعة شهيرة يذكرها التاريخ، وتحديدا فى عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون، عندما أدين ابن الشيخ القوصى، فى قضية رشوة واستغلال منصب والده، فتم نفيه خارج البلاد، وتجريد والده الرجل الصاح من كل مناصبه!!
تأسيسا على ما سبق فلابد للحكومة والبرلمان تنقية التشريعات، وسن قوانين صارمة ضد المفسدين، وتحديدا المرتشين، ليكونوا عبرة، لأنه لا يمكن أن ينصلح حال البلاد والعباد، خاصة المحليات، إلا بسن القوانين الصارمة، مثلما كان يفعل الفراعنة أو حتى المماليك، بقطع أذن وأنف ونفى المرتشى خارج البلاد. 
 
الفساد، وفى القلب منه، الرشوة، سرطان ينهش فى جسد الأمة، ويعيق تنميتها وازدهارها وتقدمها، ولكم فى اليابان التى حاسبت موظفا أهدر ثلاث دقائق فقط من ساعات عمله، أسوة عظيمة الأثر!!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة