أكرم القصاص - علا الشافعي

"من اليمين إلى اليسار" أصدقاء الأمس خصوم اليوم.. كاتب مغربى يقترح الفصحى أداة للتواصل.. دراسة: الفرس أدمنوا العربية وإيران عاجزة عن نشر ثقافتها.. خبير إسرئيليات: اللغة العربية لم تقترض من العبرية بل حدث العكس

السبت، 29 ديسمبر 2018 08:30 م
"من اليمين إلى اليسار" أصدقاء الأمس خصوم اليوم.. كاتب مغربى يقترح الفصحى أداة للتواصل.. دراسة: الفرس أدمنوا العربية وإيران عاجزة عن نشر ثقافتها.. خبير إسرئيليات: اللغة العربية لم تقترض من العبرية بل حدث العكس
كتب أحمد جودة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- متخصصون: تعريب العلوم خطوة عظيمة للحفاظ على اللغة والهوية

- د. جمال الرفاعى: إلغاء العربية فى الدستور الإسرائيلى تكريس ليهودية الدولة

- د. محمد متولى منصور: نحتاج إلى ثورة تعليمية على المعلم والطالب والمنهج والمدرسة والجامعة

- د. فيصل الحفيان: ليس هناك انتشار لمدارس اللغات أو المدارس الأجنبية فى بلد كما هو موجود فى مصر

 

ظل المشهد عالقاً فى ذهنى وقتا طويلا، حتى أستطيع تفسير ما حدث، والذى لم يكن فى الحسبان، بطله الحقيقى "هاتفى القديم"، لم أتوقّع الاستعانةُ به مجدداً بعد ظهور أنواعٍ أخرى حديثةٌ مدعومةٌ بالتكنولوجيا، بدأت وقائعها منذُ الوهلةُ الأولى، وأنا أتجوّل فى خياراته المحدودة، لأتوقفُ عند اختيار اللغة بقائمة الضبط، ضغطتُ على الخانة لاختيار "العربية" غير عابئ بما سيجرى، فأصابتنى الدهشة، وظلّ المنظر برمته عالقاً بُرهَةٌ لا بأس بها فى مخيّلتى، والذى خان فيها إصبعى رغبتى وجعلنى فى حيرة من أمرى.

 

ارتدتُ الفحص والتمعن من جديد فى إعدادات الضبط، ووجدتُ نفسى أترحّلُ بِشرودٍ وتأمُّل بين الاختيارات، ومحاولا العودة للتأكد من الاختيار، لعلّى أكون مخطئاً، لكن جانبنى الصواب هذه المرّة، هل حقاً هذه هى "لغتى الأم" التى أنطقها منذ نعومة أظافرى!، أو هذه الكلمات المكتوبة "عربياً" التى تظهر أمام شاشتى الصغيرة المتواضعة ولكننى لم أستطع نطقها، لِما تحمله من معانٍ كثيرة غير مفهومة، سوى بعض المصطلحات، أعدت الكَرّةُ مرّة أُخرى بعد عناء، وبنفس الخطوات، فكانت المفاجأة أنّها "اللغة الفارسية".

 

مرّت عدةُ أيامٍ وبداخلى تساؤلاتٌ كثيرةٌ بلا إجابة، لاستدراك الموقف والفعلة التى قمت بها، وهى عدم تغييرى "الفارسية" التى اخترتها بالخطأ لعدة أسابيع، محاولاً فك الرموز وطلاسمها، والتعامل مع هذه اللغة التى لم أتعرض لها فى حياتى الدراسية، فوجدت تشابهاً مشتركاً فى بعض الكلمات بين اللغتين "العربية" و"الفارسية"، خلال استخدام هاتفى أمثال "فهرست، ذخيرة، تنظيمات حفاظتى، انتخاب مضمون"، أمّا المصطلحات الأُخرى فتبدو غير مفهومة تماماً.

 

ومن هنا كانتُ البداية، اللجوء إلى مُحرِّك البحث للتعرف على هذه اللغة المثيرة بالنسبة لى بحكم التقارب الشديد مع لغتى العربية، فوجدتُ سيلاً عظيماً من المعلومات المتدفّقةُ عبرَ المواقع والمنتديات، واتّسعت حيرتى أميالاً، ولم أجد مخرجاً من صدمتى بهذا التشابه إلّا بالاستعانة ببعض المصادر لتوثيقها وطرح الإجابة على جميع التساؤلات التى تدور فى الأذهان، وما زاد من إثارة الموضوع هو وجود لغات أخرى شبيهة مع العربية شكلاً وأخرى شقيقة لها وبعضها مشتقة منها، مما دفعنى إلى الاطلاع وإجراء بعض المحاولات المتواضعة لإنتاج هذا العمل.

 

كان أول الغيث قطرة، ثم بعدها تدفقت المصادر تزاحم بعضها بعضاً، فبصرتُ إلى الخيط الأول بواسطة كتاب بعنوان "لغة الأمة ولغة الأم عن واقع اللغة العربية فى بيئتها الاجتماعية والثقافية"، لمؤلفه المغربى الدكتور عبد العلى الودغيرى، والذى تناول كافة ما يتعلق باللغة العربية ومستقبلها، ومحاولات تهميشها.

 

أكد "الودغيرى" فى مقدمة كتابه، أنّ العلاقة التى جمعت العربية بطائفة من اللغات واللهجات التى شاركتها فى الأرض والأوطان، واستعملتها فئات من المجتمعات العربية والإسلامية والقوميات "غير العربية" التى كونت مع العنصر العربى مجتمعاً واحداً فى ظِلّ حضارة موحدة "كالفارسية والتركية والكردية والسريانية والآرامية والأشورية والقبطية والشركسية والتركمانية والأمازيغية والإسبانية والعبرية وغيرها"، وجدنا أنّها كانت فى الغالب علاقة تمتاز بقدر كبير من التسامح والتناسق وتبادل الوظائف والأدوار، مما جعل البيئة اللغوية المشتركة تحقق تنوعها الطبيعى التلقائى الذى لا يؤدى بالضرورة إلى التنازع أو التنافر. هذا ما يؤكده التاريخ الطويل من التعايش بين العربية وعدد من اللهجات واللغات فى مشرف العالم العربى الإسلامى ومغربه.

 

وأوضح الكاتب المغربى، أنّ تأثير اللغة العربية مع تلك اللغات والتأثُر بها، كان له إيجابياته الكثيرة وسلبياته القليلة، حيث قال "إنّ تأثير العربية فى تلك اللغات واللهجات فواضح لا غبار عليه، إذاً ليست هناك لغة عايشت العربية فى بيئةٌ واحدةٌ أو بيئتين متجاورتين لمدة قرون طويلة ولم تأخذ منها أغلب ألفاظها وتعبيراتها. فالفارسية والتركية والأمازيغية أخذت نصف معجمها تقريباً من العربية".

 

وأمّا تأثر العربية من اللغات الأخرى، قال"تأثُر العربية بهذه اللغات واللهجات الوطنية فكان بدوره معروفاً، فعدد الفارسيات والتركيات وغيرها فى العربية كثير جداً. وهذا التأثُر كان له إيجابيات على العربية وسلبيات، أمّا إيجابياته فتتجلى فى إغنائها فصحى ولهجات، وتلبية الكثير من احتياجاتها بعدد لا يُحصى من الألفاظ الإسبانية التى علّقت بها خلال وجودها بالأندلس، وأمّا السلبيات فتتجلى بوجه خاص فى ابتعاد اللهجات العربية عن الفصحى من جهة، وابتعاد كل لهجة عربية عن غيرها من لهجات العربية فى الأقطار الأخرى".

 

الدكتور عبد العلى الودغيرى مؤلف كتاب لغة الأمة
الدكتور عبد العلى الودغيرى مؤلف كتاب لغة الأمة
 

"لا خوف على العربية من اللغات الأخرى"، يُقلِّل الكاتب الدكتور عبد العلى الودغيرى، من قلق البعض بشأن تعرض اللغة للوهن والضعف والتهميش، قائلاً "إنّ الخوف على العربية لا يأتى من أخواتها وشقيقاتها من اللغات واللهجات الوطنية، لأنّ هذه اللغات واللهجات جزء طبيعى من الفضاء الكبير الذى تعيش فيه العربية، ومن ثقافته وتُراثه، ومكوِّن أصيل من مكوناته، لها من الحقوق ما للعربية على أهلها".

 

توحيد العربية فى العالم العربى الإسلامى

طَرَحَ مؤلّف الكتاب، مبادرة اختيار اللغة العربية "الفصحى"، لتكون العامل المشترك بين الأمم، تحتضن بها كل الدول العربية والإسلامية، مضيفاً "الفصحى مجالٌ مشترك ومِثالٌ يُحتذى لكل المتكلمين بالعربية من أية قبيلة أو فئة أو دولة كانوا، ليس لها انتماء محلى، إنّما انتماؤها للأمة كلها التى تجمعها حضارة واحدة وهى الحضارة العربية الإسلامية بما فيها من شعوب ودول وكيانات وأغلبيات وأقليات، إنّها مِلكٌ للجميع، لأنّها لغةٌ محايدةٌ وفوق الصراعات اللغوية المحلية.

 

وخصصها الكاتب عن بقية اللغات، "لأنّ العربية لا تنتسب لجنسيةٌ أو عرقيةٌ محددةٌ، حيث أنّها اللغة التى تجمع العربى بالفارسى والكردى والأمازيغى والباكستانى والأفغانى والمغربى والمصرى والخليجى والسودانى والإفريقى والأوروبى والآسيوى، وسواهم من أبناء هذه الامة والمنتمين إليها، لُغة العرب على اختلاف دياناتهم، والمسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم".

 

وأكد أن الفصحى بهذا المعنى إذن هى التى تستحق هنا أن تسمى "لغة الأمة" واللهجات حينئذ تكون بمثابة "لغات الأم"، وهى تستحق هذا اللقب، ليس لأنّها أحسن من تلك اللغات من حيث طبيعتها وتكوينها وكفايتها فى التعبير عن أغراض أصحابها، ولا لأنّها لغة الجنة أو القبر أو السؤال وسواها لغة النار، أو أنّها من حيث الأصل لغة موقوفة، أى أنزلها الله وحياً دون سواها. ولكنّ لأنّها اللغة الجامعة المشتركة التى ارتضتها الأمّة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً لِتكون لسان حضارتها وثقافتها ودينها وتعليمها وإداراتها ورمزا لهويتنا المشتركة".

 

الفارسية

هى اللغة الأكثر تشابهاً مع العربية، تظهر حروفها الأبجدية مقاربة تماماً مع "لغتنا"، نتيجة الفتح الإسلامى لبلاد فارس، وتبقت هذه اللغة بحروف عربية بسبب التأثُر بالقرآن الكريم والتعاليم الإسلامية خاصة فى ظلّ سيادة العنصر العربى الإسلامى، وتسابق الفرس فى تعلم العربية والنظر إليها بشكل مقدس، حتى أصبحت اللغة الوحيدة المستخدمة طوال القرنين الأول والثانى الهجريين.

 

رغم اتفاق الحروف الأبجدية "28" حرفاً بين اللغتين، إلّا أنّ الفارسية فى الوقت الحالى، تزيد بأربعة حروف أخرى غير موجودة فى "العربية"، وهى " پ - چ - ژ - گ"، هذه الحروف الأربعة من أساسيات النطق "تُلفظ" فى اللغة الفارسية، ووفقاً لِما أكده الكاتب على عاطف، الباحث فى الشئون الإيرانية، أنّ هذه الحروف تمييزاً لها على الخطوط العربية المعروفة، فى بلاد إيران وبعض المناطق فى باكستان والهند، ممّا أثّرت فى اختلاف القواعد والكلمات وحتى فى معانى بعض الكلمات العربية التى دخلت الفارسية.

 

ولفت الباحث على عاطف إلى أنّ اللغتان مختلفتان تماماً حالياً، ويمكن القول إنّ أوجه التشابه ما بين الاثنين يكمن فى الحروف، والكلمات الكثيرة التى دخلت الفارسية من العربية، إلّا أنّه بالطبع كل لغة مستقلة بأدبياتها، وأصبحت لغة منفصلة عن اللغة العربية بقواعدها وتصريفاتها، فلا تشابه بين التركيب اللغوى العربى والفارسى فى الوقت الحالى، فعلى سبيل المثال يأتى الفعل فى أخر الجملة فى اللغة الفارسية على عكس اللغة العربية مثل أن نقول "من به بريتانيا مسافرت كردم"، أى أنّنى سافرت إلى بريطانيا"، فالفعل هنا وهو "مسافرت كردن" وقد جاء فى أخرى الجملة.

 

واستطرد الباحث فى الشأن الإيرانى،"أنّه رغم الاختلاف فإنّ تعلم اللغة الفارسية ليس بالأمر الصعب، ويزيد من سهولة تعلمها تداخل العديد من الكلمات بينها وبين اللغة العربية، والتى دخلتها العديد من الألفاظ الجديدة التى تستخدم فى العصر الحالى، شأنها فى ذلك شأن أى لغة فى العالم، حيث تختلف ألفاظ اللغة الفارسية منذ 200 عام، عن تلك الألفاظ الجديدة التى تستخدم فى الوقت الحاضر".

 

وتطرّق إلى قيمة تعلم الفارسية فى الوقت الراهن، ليس لوحدها فقط، ولكن أى لغة يتعلمها الفرد هى تفيده فى مجال تخصصه سواء فى الطب أو العلاقات السياسية أو السياحة أو غيرها، فكل اللغات بدون استثناء مفيدة فى تعلمها، خاصة إذا ما كانت اللغة لبلد مجاور أو مؤثر فى المنطقة، ويتطلب من المتخصصين فى العلوم السياسية، أو تحديداً فى مجال درسات الشئون الإيرانية إلى تعلم "الفارسية" كى يستطيعوا فهم هذه الدولة، وتاريخها وتأثيراتها فى المنطقة، وغير ذلك من الأمور التى تساعدهم فى مجال دراساتهم وأبحاثهم.

 

واختتم حديثه قائلاً: "اللغة الفارسية بالطبع ليست منتشرة بشكل كبير مثل الإنجليزية، أو "الفرنسية"، أو "الألمانية"، لذا فإن استخدامها وتعلمها يكون أقل، وهنا تفرض الحكومة الإيرانية على العرب فى إقليم الأحواز تعلمها والتعامل بها فى جميع المناطق، ورغم ذلك فأنهم يتقنون "العربية" فيما بينهم فى إقليم يبلغ مساحته حوالى 375 الف كم مربع، وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن عدد سكانه وغالبيتهم من العرب، يبلغون نحو 8 مليون نسمة".

 

"الحرف العربى فى اللغات غير العربية"

هى دراسةٌ بحثيةٌ مهمةٌ للدكتورة هويدا عزت محمد أحمد، شاركت بها فى المؤتمر الدولى الخامس للغة العربية، الذى أقيم فى منتصف عام 2016، وخصت ببحثها اللغة الفارسية، حول إدمان الفرس لتعلم "العربية"، ومدى إرتباطهم بها، وانفصالها عن اللغة "الأم"، حيث قالت "إن جمال العربية جعلت الإيرانيين أنفسهم ينسون لغتهم الأصلية آنذاك لمدة قرنين متتاليين، واستعمالهم المصطلحات العربية فى مؤلفاتهم ورسائلهم، وتعمق فيها علماء الفرس فى اللغة والنحو والفقه والتفسير والتاريخ، واعتبرت العربية لغة أدبية إلى جانب كونها رسمية، حتى جاءت أصوات معارضة تطالب بتغيير حروف اللغة والانفصال.

 

انفصال الفارسية عن العربية

رصدت الباحثة فى دراستها، محاولات بعض علماء الإيرانيين المعارضين للعربية، بزعم إصلاح الفارسية، والتى انتهت بانفصال العربية عن الفارسية تدريجيا، بعد تعالى أصوات "حمزة الإصفهانى، وأبى الريحان البيرونى، وميرزا فتح على آخوند زاده"، بوجوب ابتكار أبجدية جديدة، بدعوى التخلف عن الحياة المدنية الحديثة، ولكنّ اقتراحات الأخير قُوبلت بالاعتراض من قبل "الصدر الأعظم العثمانى فؤاد باشا"، بعد التشاور مع أعضاء الجمعية العلمية العثمانية، وأكدوا على رفضها خوفاً من إلحاقها الضرر بالتراث الإسلامى، وظلّ الإفراط فى دعوات تغيير الخط الفارسى حتى صدور فتوى بتغييرها عام 1879، على يد ميرزا يوسف خان، مستشار الدولة التبريزى.

 

وذكرت الدكتورة هويدا عزت، أنّ قرار "مستشار الدولة التبريزى"، بمثابة بدايات انشقاق رسمى عن "العربية"، واستحداث لغة جديدة فى إيران، حيث جاء نص القرار كالتالى، "من مجتهد مشهد ميرزا نصر الله، تفيد بجواز التغيير فى الخط، وابتكار خطاً جديداً بدعاوى إصلاح الخط الإسلامى، وتسهيل سبل التعليم، رغم محاولات بعض الأصوات العاقلة، التى انتقدت تغيير اللغة العربية، عام 1911 أمثال "إبراهيم شناس، وأبى الضياء توفيق" بمحاولة الإثناء وعدم الاستغناء أو العزوف عن اللغة العربية.

 

واقترح هؤلاء بإمكانية المحافظة على الأبجدية العربية مع التعديل عليها بما يتواءم مع نطق اللغة التركية، أثناء فترة حكم الدولة العثمانية، ووجوب الإبقاء على بعض الكلمات العربية والفارسية التى استقرت فى لغة الحديث، إلّا أنّها جُوبهت بالقوة، فى عهد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة العلمانية، ووفقاً للدارسة البحثية فإنّه ادّعى أنّ الأحرف العربية لا تتجاوب تجاوباً كاملاً مع اللغة التركية وطريقة نطقه، لذا بقيت قراءتها وكتابتها وقفاً على رجال الدين، والقلة المثقفة، بينما قام تعميم القراءة والكتابة على جميع أفراد الشعب، باستخدام الحرف اللاتينى بديلاً عن العربى.

 

وقرّر "أتاتورك" الكتابة بالحروف اللاتينية بأمر إلزامى فى البلاد كافة، ورفض أى معاملات رسمية تكتب بالحروف العربية فى دوائر الدولة، وذلك فى عام 1928، وترجمة القرآن الكريم باللغة التركية، فكان له صداه الكبير على إيران خلال هذه الحقبة الزمنية، وظهرت الدعوات مجدداً بنبذ الألفاظ العربية، وإحياء الفارسية.

 

وظهر فريق من الأدباء وهم أنصار الفارسية الخالصة "فارسى سره"، وطالبوا بتطهير اللغة الفارسية عن طريق طرد الألفاظ العربية والأجنبية، وكان من الداعمين لهذا الرأى، " أبو القاسم أزاد مراغه أى"، وقدم نماذج من الألفاظ الفارسية القديمة لتحل محل المفردات المتداولة فى ذلك الوقت، حتى أمر رضا شاه بهلوى، بتأسيس المجمع اللغوى الإيرانى عام 1935، وكان من مهامه المحافظة على "الفارسية" وإعداد قواعد خاصة بها، نتيجة تنقيتها من الألفاظ الدخيلة وتجنب استعمال المفردات الأجنبية.

 

وركّزت الدكتورة هويدا عزت فى بحثها، أنّ محاولات تغيير الأبجدية العربية فى اللغة الفارسية قد أُخفقت، وبات الخط الفارسى محتفظاً بصورته التى كان عليها لمدة تربوا على الألف عام، واحتفظت الحروف العربية بمكانتها، وأضفت الأيام والعصور عليها نوعاً من الهيبة والجلال لارتباطها بلغة "القرآن"، أضف إلى ذلك إن اتخاذ حروفاً جديدة، مما يقطع الصلة فى إيران بين الماضى والحاضر، حيث يُحرم "الخلف" من الانتفاع بآثار السلف فى كافة العلوم والفنون والآداب، كما أنّ رسم الخط العربى معمول به فى العديد من الأقطار الإسلامية، وتغيير الفرس له سيحرمهم من الاشتراك فى رسم كتابى يربطهم جميعاً.

 

وأثبتت فى دراستها البحثية، أنً إيران وجدت نفسها عاجزة عن نشر ثقافتها وتوصيل أفكارها إلى العالم، بلغتها الجديدة المنشقة عن العربية، بسبب صعوبة قراءة الخط الفارسى وكتابته، مما جعل الأجنبى يأبى فى تعلمها، وجاء على لسان أحد المعارضين لتغيير اللغة، يُدعى "آرين بور"، الذى أكد أنّ الأبجدية الفارسية السبب الرئيسى وراء جهل العامة فى إيران بسبب تشابه الحروف، وتعدد أشكالها، وعدم وجود للحروف الصوتية.

 

اللغة العبرية

تَحمِلُ هذه اللغة لقب "شقيقة" اللغة العربية، لِما تتضمنه من مصطلحات عربية كثيرة، نتيجة التشابه الضخم سواء من ناحية المفردات أو القواعد، بالإضافة إلى تصنيفهم من اللغات السامية، وبحسب ما أكده الدكتور جمال أحمد الرفاعى، رئيس قسم اللغات السامية السابق بجامعة عين شمس، فإن اللغة العربية لم تقترض أى شئ من العبرية، ولكن حدث العكس فقد أعطت "للعبرية"، الكثير والكثير من المفردات إلى المعجم العبرى، مما جعل اللغة العربية كـ"الأم" تهب الحياة للغات الأخرى، والتى يتوالد منها ويشتق منها بعض اللغات، حتى أنّ أراء بعض المتخصصين يشيرون إلى أنّ "العبرية" هى فى الأساس نسيجٌ من رحم العربية، وأصبحت مع مضى الوقت جزءاً من المعجم العربى فى فترة العصور الوسطى.

 

وبيد أنّ فضل اللغة العربية على "العبرية" واضحاً، لكنّ دولة الاحتلال الإسرائيلى تتناقض فى أفعالها بشأن "لغتنا"، وصلت إلى محاولات طمسها والتضييق والخناق على متحدثيها الأصليين من العرب، وإتاحتها لأبنائها فقط، فى سلسة من الأشكال العنصرية تُظهر الوجه الحقيقى للكيان الصهيونى.

 

ففى يوليو من نفس العام 2018، قرّرت إسرائيل إلغاء "العربية" من الدستور كلغة رسمية ثانية بجانب العبرية، رغم وجود شريحة عظيمة من "فلسطينى 48"، قُدر عددهم بنحو مليون ونصف مواطن تقريباً، وذلك وفقاً لِما ذكره الجهاز المركزى الفلسطينى للإحصاء عام 2014، فإنّهم يُمثلون 20 % من إجمالى السكان، ويتأثّرون بهذا القرار الأخير فى الشأن الداخلى والمعاملات الرسمية اليومية.

 

فيما أكد رئيس قسم اللغات السامية السابق، الدكتور جمال الرفاعى، أنّ هذا الفعل، يهدف إلى تكريس الإحساس بيهودية الدولة، ومحو كل شئ من شأنه أن يذكر بعروبة الأرض والوطن والانتماء العربى الإسلامى، لافتاً إلى أنّه رغم إتقان "عرب 48" العبرية المفروضة عليهم، لكنّهم متمسكون بهويتهم، ويُبادرون فى تنظيم بعض الفعاليات القومية مثل الاحتفال بـ"يوم الأرض".

 

فى المقابل تجد إسرائيل نفسها تُعلّم أبنائها اللغة العربية والفصحى أيضاً!، وذلك بإذاعة بعض الأغانى التراثية القديمة "لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش" فى مدارس متخصصة، عبر مقاطع فيديو متداولة تبثها قنوات لحسابات شخصيات عسكرية إسرائيلية بـ"اليوتيوب" بزعم التواصل والتفاهم والسلام والتعرف على حضارة العرب.

وفى هذا الصدد، أكد الدكتور جمال الرفاعى، الخبير فى الشأن الإسرائيلى، أنه بالرغم من الانطباع الجيّد الذى يردده الطلاب أو معلميهم تجاه "لغتنا"، والرسائل الإيجابية التى يبثونها، لكنّ تدريس العربية هناك فى الأساس من أجل العمل فى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مستقبلاً، لأنّ الكيان الصهيونى مهتم بمتابعة كل ما يحدث فى الدول المحيطة بالشرق الاوسط، ومعرفة كل ما يحدث فى العقل الباطن بالمنطقة العربية.

 

اللغة التركية

"التركية" هى جزءٌ من اللغة العربية لِما يحتوى نصف معجمها على كلمات ومفردات عربية، تصل إلى أكثر من 6 آلاف كلمة، وظهر هذا التأثير خلال فترة الحكم العثمانى، حيث كُتبت من اليمين إلى اليسار على غرار "العربية"، وبقى هذا التقارب والتناغم بين اللغتين، حتى انفصلا بسبب تحويل الأبجدية التركية من العربية إلى اللاتينية، والتى أخذت شكلها والوضع القائم عليه الآن، إلّا أنّ المصطحات العربية لم تخل فى المعاملات والتواصل اليومى.

 

ومن جانبه، قال الدكتور سامح الجارحى، استاذ اللغة التركية بكلية الآداب جامعة القاهرة، خبير الشؤون التركية، إنّ وجود الألفاظ والمفردات العربية إلى "التركية"، يرجع إلى دخول الأتراك الدين الإسلامى، والتى أحدثت نوعاً من عملية التأثير اللغوى فى المعجم التركى، عبر آلالاف من الكلمات، بالإضافة إلى أنّ "الفارسية" المتاثرة من العربية كانت بمثابة اللغة المحورية وعامل مشترك بين "التركية" و"العربية"، فى بدايات العصر الإسلامى، وإلى جانب حدوث طفرة فى نقل هذه المفردات فترة العصر العثمانى، المصطلحات العربية إلى التركية، والعكس.

 

وأرجع أستاذ اللغة التركية، أنّ التأثير الأكبر بين اللغتين، نتيجة استيلاء محمد الفاتح على القسطنيطينة، وحدوث الاندماج بين العرب والأتراك، ودخلت هذه الألفاظ بسهولة إلى اللغة التركية، لافتاً إلى أنّ العلاقات اللغوية بينهم لم تتغير حتى الآن، والاختلاف بين التركية اللاتينية، والمكتوبة بالعربية العثمانية ليس كبيراً، وأنّ الاختلاف ينحصر فى الأبجدية فقط، وبينما تتشابه فى الكلمات والمفردات.

 

رغم فضل "العربية" على اللغة التركية، يتشدق الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، بالدعوة إلى إحياء اللغة العربية من جديد فى بلاده، إلا أن الأفعال القائمة تُظهر تناقضه فى الشارع التركى، حيث شنت السلطات المحلية هناك، فى منتصف مايو العام الماضى، حملة واسعة لمحاربة اللغة العربية، عبر إزالة كافة لافتات المحلات المكتوبة بالعربية، وكان قد افتتحها اللاجئون السوريون الوافدون إلى تركيا هربًا من الحرب المندلعة فى بلادهم.

محاربة اللغة العربية فى تركيا
محاربة اللغة العربية فى تركيا

وبحسب الإحصائيات الرسمية يعيش فى تركيا بشكل عام 2 مليون لاجئ سورى، تم حرمانهم من استخدام لغتهم الأصلية، وكانت حجة السلطات المحلية أن اللافتات باللغة العربية تشيع منظرا سيئا فى شوارع تركيا.

جانب من نزع اللافتات العربية بتركيا
جانب من نزع اللافتات العربية بتركيا

وحول عدد الناطقين باللغة العربية فى تركيا، أكد أنه فى الوقت الراهن ليس بالقليل، ورغم ذلك لا توجد إحصائية دقيقة لحصرهم سوى بعض الاجتهادات، إلّا أنّ هناك تقديرات من مراكز بحثية، بنسبة 20%، أضف إلى ذلك الجاليات العربية واللاجئين هناك، مشيراً إلى أنّ أهل المناطق النائية الحدودية والريفية فى تركيا يتحدثون العربية لغلبة التدين عليهم، ولتأثرهم بالقرآن الكريم واعتناقهم الدين الإسلامى.

 

وفيما يتعلّق بمزاعم الرئيس التركى، حول إصلاحاته بشأن اللغة العربية، أكد الدكتور سامح الجارحى، خبير الشئون التركية، أنّه يسعى جاهداً إلى دمج هذه الشريحة إلى المجتمع التركى، لكسب ودهم وخلق علاقة وطيدة معهم بالاستقطاب السياسى، واستغلال تدين الأتراك، باللعب على وتر الدين، وذلك بتأسيس مدارس للغة العربية، وتعليم القرآن، وإلزام مادة التربية الإسلامية فى المناهج، بقصد تحقيق حلمه المزعوم بتنصيب نفسه خليفة للمسلمين وإحياء مشروع الخلافة العثمانية مجدداً.

 

اللغة العربية

عند كتابتى للموضوع، قررت تخصيص جزء عن اللغة العربية فى نهايته، لإبراز فضلها على اللغات الأخرى، واستعراض إحدى القضايا التى تمس الأجيال القادمة، ومدى إمكانية تطبيقها على أرض الواقع ونجاحها، والتى ترفع من شأن "لغتنا الجميلة"، وهى تعريب "العلوم والمناهج الدراسية".

 

18 ديسمبر هو عيدها، يحل علينا من كل عام، لنحتفل به فى أرجاء الوطن العربى، وخصصته منظمة الأمم المتحدة اليونسكو، كيوم عالمى للغة العربية تقديرا لها، تلك اللغة العتيقة التى احتفظت بمكانة كبيرة فى قلوب عشاقها، ينطقها ملايين الأشخاص حول العالم ويتزايد أعدادهم سنويا، وفى اليوم العالمى للغة العربية الذى يجهله الكثيرين يمر عليهم تقليديا، ولكنه يبقى استثنائيا لمحبيها.

 

وفى أشهر الإحصائيات العالمية خلال السنوات الماضية، أجرتها منظمات ومؤسسات دولية، وهما "إنكارتا" و"إثنولوج"، وأيضا كتاب "حقائق العالم" الصادر عن الاستخبارات الأمريكية، الذى وضع اللغة العربية بين أشهر 10 لغات حول العالم، احتلت "العربية" مركز متقدم بين أكثر اللغات انتشارا، فى التصنيف الرابع، حيث يتحدث بها سكان فى نحو 66 دولة فى العالم منها كل الدول العربية، ويقدر عدد المتحدثين بها بحوالى 6.6% من سكان العالم، أى ما يزيد 400 مليون ناطق، وأصبحت لغة معتمدة رسميا فى الأمم المتحدة عام 1974.

 

تعريب المناهج العلمية

اتفق متخصصون استطلع "اليوم السابع" وجهات نظرهم حول إحلال اللغة العربية محل اللغة الأجنبية فى المناهج الدراسية لمراحل التعليم الأولى، قمنا بعرضها لكى تكون دليلا لتوضيح الأثر فى هذا القرار الذى أصدره وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقى، بشأن تعريب العلوم فى المرحلة الإبتدائية، والذى صاحبه اعتراض أولياء الأمور على منع تدريس اللغات الأجنبية فى المدارس التجريبية.

 

البداية مع الاستاذ الدكتور محمد متولى منصور، رئيس قسم أصول اللغة بكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف، أكد أن "تعريب العلوم أمر حتمى وفرض وواجب فى عصرنا الحديث، لأننا نعيش فى قرية كونية كبيرة، لكن هذا التعريب لابد أن تكون له ضوابط ومراحل وتقنيات، وإلى جوارنا بعض البلاد العربية الشقيقة التى عربت بعض العلوم خاصة فى مجال الطب، ونجح هذا التعريب بشكل منقطع النظير"، مطالبا القائمين على العملية التعليمية مراعاة سن التلاميذ والطلاب فى المراحل الأولى، والتخصصات الدقيقة، التى تصلح لقضية التعليم.

دكتور محمد متولى منصور، رئيس قسم أصول اللغة بجامعة الأزهر
دكتور محمد متولى منصور رئيس قسم أصول اللغة بجامعة الأزهر
 

وواصل حديثه قائلا: "أما أن نسارع باسم الحضارة والتقدم فى تعليم أبنائنا المراحل الأولى اللغات الأجنبية الأخرى، ويكون حظهم من تعليم العربية قليلا، فإن الناتج أنهم لن يتذوقوا العربية كما ينبغى، ولن يتحدثوا اللغات الأخرى كما يتمنون، وفى ذلك يقول مصطفى صادق الرافعى، (ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره فى ذهابٍ وإدبار)"، مضيفا لابد من وضع المناهج التربوية التعليمية على أساس موضوعى حتى نربى فى أبنائنا ملكة التذوق والجمال والإبداع، ومن هنا نقول أننا فى حاجة إلى ثورة تعليمية على جميع أركان العملية التعليمية، المعلم والطالب والمنهج والمدرسة أو الجامعة".

 

وأضاف رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الأزهر: "لا يمنع أى دين سماوى ولا أى قانون وضعى، من أن يتعلم الانسان لغات الأمم الأخرى بآسرها، فلنعلم أبنائنا الفرنسية والانجليزية والإيطالية، ولكن المربيين الأوفياء اشترطوا فينا، إتقان لغتنا الأصلية أولا، فإذا أجاد فى لغته الأصلية، استطاع أن يٌجود فى اللغات الأخرى، ونحن نحفظ الأثر الذى يقول، (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)، وهذا منهج نبوى، إذ أمر النبى "صلى الله عليه وسلم"، سيدنا زيد بن ثابت، أن يتعلم لغة اليهود، لأنه كان لا يأمنهم على كتابه، ثم قام بلغة العصر بدور المترجم من العربية إلى اليهودية، والعكس، ومعنى هذا أنها كانت بداية لقضية الترجمة ونضم إليها قضية التعريب، التى ننادى بهما مجمع اللغة العربية فى العصر الحديث.

 

شاركه فى الرأى، الدكتور فيصل الحفيان، مدير معهد المخطوطات العربية، على هذا القرار المتعلق باللغة العربية، حيث قال إن هذه الخطوة عظيمة للغاية، والتى تدفع الطفل إلى اكتشاف العالم عبر اللغة، هذا الاكتشاف سيكون منقوصاً أو مشوهاً، إذا تم بغير لغة الأم، والتعليم فى المرحلة الابتدائية لابد التركيز على اللغة الأصلية حتى يتمكن الطالب من لغته، ولا يجوز إقحامه بلغات أخرى، وإذا تعلم الطالب بلغة أخرى يمكن أن يفهم، ولكن هذا الفهم لن يكون مكتملاً، بحيث يكون أرضية حقيقية للإبداع.

أحمد جودة ولقاءه بالدكتور فيصل الحفيان
أحمد جودة ولقاءه بالدكتور فيصل الحفيان
 

وأضاف مدير معهد المخطوطات العربية، "مشكلة العربية عندنا هى مشكلة لا يجوز إطلاقا التعامل معها على طريقة تواصل، لابد أن نتعامل معها على طريقة تفكير نابعة من الذات، كل الإبداع مرهون بتلك البنية الأساسية التى تكمن فى التفكير باللغة، إنما يكون عن طريق تعليم العلم بالمفهوم العام عن طريق لغة الأم، وليس عن طريق لغات أخرى، ولا يستطيع الانسان أن يفكر فيها حرا، اللغة الأم تجعله قادرا على التفكير بحرية، وكثير من الطلاب فى البلدان العربية يعانون من مشكلات فى التعليم، والسبب يتعلمون باللغات الأخرى، واعتقد أن التعليم باللغات الأخرى هو نوع من الاختراق الثقافى، شديد الخطورة، أكثر ما يكون فى مصر".

 

واستطرد الدكتور فيصل الحفيان، قائلا: "يمكن القول أن هناك لغات نتعلمها ولا نتعلم بها، وهناك فرق، أن نتعلم اللغات الأخرى فهو أمر مهم، ولكن الأخرى غير موجودة فى أى مكان فى العالم، لا يمكن أن تجد مدرسة فى بريطانيا أو اليابان أو فرنسا تعلم أطفالها بغير اللغة المحلية، وكانت النتيحة أن البلاد العربية ليس بها عطاء مميز أو إبداع سواء فى مستوى التفكير البحثى، أو صياغة نظريات جديدة، العقل العربى ليس أقل من العقل الغربى، ولكن المشكلة تكمن فى طريقة التعليم بواسطة اللغة والبحث والإبداع والتفكير".

 

واختتم حديثه قائلا "ليس هناك انتشار لمدراس اللغات أو المدارس الأجنبية فى بلد كما هو موجود فى مصر، وبالتالى نجد أبنائنا لا يعرفون العربية، ويفتقرون إلى المعرفة أو القدرة على الإبداع والابتكار".

 

أما الكاتب محمد يونس أحمد السموخلى، الباحث فى أصول اللغة العربية بجامعة الأزهر بالمنصورة، قال إن الاعتراض على تعريب العلوم جريمة فى حق هذه اللغة، وفى حق متكلَّميها، ويحمل فى طياته بصفة غير مباشرة الدعوة إلى نشر اللغة الأجنبية والدفاع عنها والتقاعس عن بذل الجهود لإخراج البلاد من التبعية الفكرية والهيمنة الثقافية، مضيفا "التعريب المرجو هو الذى يراد منه للعربية أن تتبوأ مكانها الطبيعى فتكون اللغة الأولى فى الحياة والمجتمع والعلم والتعلم، أما اللغة الأجنبية فينبغى أن تعطى قدرا ما تستحق دون تغلبيها على اللغة الأم".

 

وأضاف الباحث اللغوى: "تعد سوريا هى الدولة العربية الوحيدة التى تستعمل اللغة العربية فى التدريس فى جميع مراحل التعليم، وفى جميع التخصصات، ثم تأتى السودان الذى أكمل وانتهى من تعريب المناهج الدراسية للجامعات السودانية فى عام 1996 م، عقب القرار السياسى الذى صدر فى عام 1990م، لجميع مراحل التعليم، وهى خطوة مهمة، وإن أتت متأخرة عشرات السنين، وضرورية نحو التقدم والرقى، والحديث عن نجاح وفاعليّة ودور مؤسسات التربيّة فى إنتاج وتأطير المواطن وتأهيله لا يمكن أن يستقيم، إلا إذا كانت اللغة الوطنيّة ذات سيادة فى مجمل العمليّات التربويّة".

 

واستطرد: "نحن إذ ننادى بضرورة التدريس باللغة القومية بقوة وحماس ننادى فى الوقت ذاته بالاستمرارية فى تعليم اللغات الأجنبية، ذلك لأن إتقان لغة أجنبية واجب لابد منه لمتابعة التقدّم العلمى، ولكن شتان ما بين إتقان اللغة الأجنبية وبين استخدامها بديلاً عن اللغة القومية، إن فى إتقان اللغة الأجنبية دعمًا للثقافة ورمزًا لها فى كل ميدان من ميادين العلم، وأما استخدامها بديلاً فعزل للغة القومية ووأد لها".










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود عبدالعزيز

لغتنا الجميلة

من اكتر الموضوعات التي استفدت منها، جعلتني انتفض للغتي وأحبها، وأيضا أحزن عليها وعلى محاولات البعض طمسها وتهميشها. لكن المآخذ هنا، لماذا لم تقدم أطروحة تتبناها الحكومة لإحياء اللغة العربية من جديد.. حضرتك ذكرت في التحقيق أن الفارسيين والعبريين والأتراك يرسخون للغاتهم، -مع أنها مشتقة من اللغة العربية كما أكدت- ويبذلون طاقتهم في انتعاشها والحفاظ عليها من الاندثار، حتى أن الكيان الكيان الصهيوني، يطربون أذان الطلاب بأغاني لأم كلثوم وعبدالوهاب. فأنتم كصحفيين، يمكنكم إنقاذ وتبني ما تغافلت عنه الحكومة، وتقديم مشروع قومي ينأى بلغتنا وشعبنا. وليكن حتى في إطار المصلحة التي تربط العالم العربي والاسلامي!!. وفي النهاية الموضوع ممتع جدا يا استاذ احمد. ومبذول فيه جهد تُحمد عليه.. شكرا لك ولكل من يقدم علما نافعا.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة