الخطاب العدائى الأمريكى بعد الأزمة الأوكرانية لاستهداف روسيا أم لعزل أوروبا؟.. واشنطن تسعى لـ"دق إسفين" فى العلاقات الأوروبية مع موسكو بعد تطورها عبر التحريض على فرض العقوبات.. وترامب يحاول إخضاع حلفاءه من جديد

السبت، 01 ديسمبر 2018 02:00 ص
الخطاب العدائى الأمريكى بعد الأزمة الأوكرانية لاستهداف روسيا أم لعزل أوروبا؟.. واشنطن تسعى لـ"دق إسفين" فى العلاقات الأوروبية مع موسكو بعد تطورها عبر التحريض على فرض العقوبات.. وترامب يحاول إخضاع حلفاءه من جديد بترو بوروشنكو و ترامب
كتب - بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عندما أعلنت الحكومة البريطانية اتهاماتها مباشرة لروسيا، فى محاولة تسميم العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، لم تحظى بدعم أمريكى كبير فى بداية الأمر، حيث منحت واشنطن زمام المبادرة إلى دول أوروبا، والتى بدأت أولا باتخاذ إجراءات سحب دبلوماسيهم من موسكو، لتتخذ الولايات المتحدة بعد ذلك إجراءات مماثلة، دون انتقادات لاذعة من الجانب الأمريكى لموسكو، إلا أن الأمر بدا مختلفا إلى حد كبير مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، على إثر احتجاز البحرية الروسية 3 سفن أوكرانية عند مضيق كيرتش، على خلفية اتهامها بانتهاك الحدود البحرية الروسية، حيث خرج الرئيس ترامب مهددا بإلغاء قمته المرتقبة مع بوتين فى الأرجنتين، على هامش قمة مجموعة العشرين.

ويعد التغيير فى اللهجة الأمريكية تجاه موسكو على خلفية القضية الأوكرانية محلا للتساؤل حول ما إذا كان الرئيس الأمريكى يسعى لانتزاع المبادرة من جديد فى معركة الغرب ضد روسيا، وذلك خلافا للنهج الذى تبنته الإدارة الأمريكية منذ صعود الرئيس الأمريكى للبيت الأبيض فى يناير من العام الماضى، والذى تميز بقدر كبير من المرونة والتنسيق فى العديد من القضايا الدولية، على عكس الخط المتشدد الذى سارت عليه كافة الإدارات السابقة تجاه الغريم التاريخى لواشنطن، أم أن هناك أهداف أخرى وراء التصريحات العدائية الأمريكية.

حرب التصريحات.. سياسة ترامب لتحقيق أهدافه

ولعل سياسة التصريحات، والتى يتبناها الرئيس الأمريكى، لا تمثل فى أغلب الأوقات حقيقة مواقفه، وهو الأمر الذى بدا فى العديد من المواقف السابقة، لعل أبرزها تهديداته لروسيا نفسها قبيل الهجمات التى شنتها الولايات المتحدة بمشاركة بريطانيا وفرنسا فى شهر أبريل الماضى، حيث كتب حينها على حسابه بموقع "تويتر" مطالبا موسكو باستقبال الصواريخ الأمريكية الجديدة والذكية، إلا أن الهجمات لم تستهدف مواقع وجود القوات الروسية.

وتكررت لعبة التصريحات فى العديد من المواقف الأخرى، حيث شن الرئيس ترامب حرب كلامية ضد نظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون دامت لشهور، ربما دفعت بعض المتابعين إلى التحذير من احتمالات اندلاع صراع نووى بين واشنطن وبيونج يانج، إلا أن المسألة انتهت بقمة تاريخية بين الزعيمين فى سنغافورة فى يونيو الماضى، لتشهد العلاقات بين الخصمين اللدودين دفعة غير مسبوقة، اعتبرها ترامب أحد اهم انتصاراته الدبلوماسية منذ وصوله إلى البيت الأبيض.

استعادة القيادة.. واشنطن تستهدف تقويض العلاقات الأوروبية مع موسكو

إلا أن الموقف من أوكرانيا يبدو مختلفا إلى حد كبير، فالتصريحات الأمريكية العدائية تجاه موسكو تحمل فى طياتها أهدافا تتجاوز الموقف الروسى من السفن الأوكرانية، حيث يسعى الرئيس ترامب نحو استعادة القيادة فى المعسكر الغربى، ولكن هذه المرة ليس لاستهداف الخصم الروسى، ولكن ربما لفرض إرادته من جديد على حلفائه الأوروبيين، فى ظل خلافات تبدو عميقة بين أوروبا والولايات المتحدة، فى ظل المواقف الأمريكية المتواترة التى لا تروق للزعماء الأوروبيين، والتى تنذر بانهيار التحالف الغربى ككل إذا ما لم يتم احتواء حالة الشقاق الراهن.

 

وتمثل الدعوات الأمريكية، التى تبنتها وزارة الخارجية الأمريكية وكذلك الممثل الأمريكي الخاص لمفاوضات أوكرانيا كيرت فولكر، للحلفاء فى أوروبا فى فرض مزيد من العقوبات على روسيا على خلفية الأزمة الأخيرة مع أوكرانيا، لتشمل مشروع "السيل الشمالى 2" الروسى للغاز، محاولة صريحة من قبل الجانب الأمريكى ليس فقط لفرض إملاءات على أوروبا فيما يتعلق بالقضية، وإنما أيضا لتقويض التطور الكبير الذى شهدته العلاقات بين روسيا والعديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا فى المرحلة الماضية.

ويعد الحديث الأمريكى عن مشروع "السيل الشمالى 2" تحديدا استهدافا صريحا لألمانيا، حيث يهدف المشروع إلى مد خطي أنابيب عبر بحر البلطيق لتوريد الغاز الروسي إلى ألمانيا، وهو المشروع الذى لا يروق للجانب الأمريكى منذ الإعلان عنه، وبالتالى فإن الحديث الأمريكى يمثل امتدادا لتحذيرات أمريكية سابقة لأوروبا، وخاصة ألمانيا، من تداعيات الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، والتى ستؤدى فى نهاية الأمر إلى التبعية لموسكو.

استعادة القيادة.. ترامب يحاول إخضاع أوروبا من جديد

المخاوف الأمريكية من جراء التطور الكبير الذى تشهده العلاقات بين أوروبا وروسيا بدت واضحة فى الأشهر الماضية مع تصاعد الخلافات بين القارة العجوز وواشنطن على خلفية العديد من القضايا، وعلى رأسها التجارة والاتفاق النووى الإيرانى، بالإضافة إلى رؤية ترامب المناوئة لبقاء الاتحاد الأوروبى، وهو ما يهدد المكانة التاريخية للولايات المتحدة باعتبارها قائد المعسكر الغربى، حيث أن التقارب الأوروبى مع موسكو يمثل انعكاسا صريحا لرغبة قيادات أوروبا لإعادة هيكلة تحالفاتهم، عبر التنسيق مع أطراف دولية أخرى فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية، وعلى رأسها الموقف من إيران، فى ظل التوافق الكبير بين روسيا وأوروبا الغربية حول دعم طهران فى مواجهة موجة العقوبات الأمريكية.

وهنا يصبح الهدف الرئيسى من التصريحات الأمريكية الأخيرة هو محاولة جديدة لإخضاع القارة العجوز، لتعود إلى الدوران من جديد فى الفلك الأمريكى، بعد موجة من التمرد رفعتها أوروبا فى الأشهر الماضية ضد الولايات المتحدة، وهو الأمر الذى من شأنه المساهمة فى تقليص النفوذ الأمريكى بصورة كبيرة، ليس فقط بين دول القارة، ولكن ربما تمتد إلى مناطق أخرى فى العالم.

 

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة