أكرم القصاص - علا الشافعي

دندراوى الهوارى

نحن عباقرة فى تكريم «الموتى» والتنكيل بـ«الأحياء».. «إبراهيم نافع» نموذجا..!!

السبت، 06 يناير 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى سرادق عزاء الراحل الكبير إبراهيم نافع، رئيس تحرير ومجلس إدارة الأهرام الأسبق، الذى أقيم بعمر مكرم أمس الأول الخميس، شهد حضورا غفيرا من شخصيات مهمة ومن مختلف المجالات، جاءوا فى حشود ليعربوا عن حزنهم الشديد على رحيل القيمة والقامة الصحفية الكبيرة!!
 
والحقيقة أنه ومنذ إعلان خبر وفاة الأستاذ إبراهيم نافع، لاح فى الأفق اهتماما كبيرا من إعلاميين وتحديدا الصحفيين بجانب شخصيات عامة كانت تتدثر بعباءة الثورية المهترئة، ينتحبون ويتألمون ويعددون محاسن هذا الرجل وقيمته وقامته وتأثيره الكبير فى بلاط صاحبة الجلالة، مهنيا وإداريا ونقابيا، وكم فقدت مصر قيمة لا تعوض.
تابعت عاصفة العواطف الجياشة حزنا وألما على رحيل الرجل، وأكاد لا أصدق نفسى، وتساءلت، هل الأستاذ إبراهيم نافع فجأة وبعد وفاته، ظهرت كرامات العبقرية فى فنون العمل الصحفى والإدارى والنقابى بجانب تعدد محاسنه وكم كان قدوة لنقباء الصحفيين، والإعلاميين بشكل عام؟ وهل إبراهيم نافع، عندما كان حيا غير إبراهيم نافع ميتا؟!
 
الغالبية الكاسحة من الذين أعلنوا عن حزنهم الشديد على رحيل الرجل، وعددوا محاسنه، وتقاتلوا فيما بينهم لنيل شرف لمس نعش جثمانه، كانوا قبل وفاته، يلصقون به أبشع الاتهامات، من عميل نظام مبارك الذى شارك فى الإفساد السياسى، إلى اتهامه بالفساد المالى وفى القلب منه ما يعرف بقضية «هدايا الأهرام» ثم الفساد الإدارى الذى دمر مؤسسة الأهرام العريقة، مما حدا بالرجل إلى الهروب خارج مصر، متحملا آلامه الجسدية، والنفسية من اتهامه بالباطل، وانقلاب معظم المقربين منه وزملائه وتلاميذه وتنكروا لكل ما صنعه من أجلهم!!
 
وإذا كان إبراهيم نافع رجلا عظيما مهنيا وإداريا، فلماذا ألصقتم به اتهامات نالت منه، واغتالت سمعته بسكين بارد وشوهت صورته، وفر منه كل المقربين فرار الناس من مرض الطاعون؟ ولماذا رفض كل الذين رأيناهم ينعونه فى مقالات، وأمام كاميرات الفضائيات وفى سرادق العزاء، الدفاع عنه ومساندته وهو حى؟ ولماذا دائما لا نعرف قدر الرجال وتظهر محاسنهم وعبقريتهم وقيمتهم وقامتهم التى لا يوازيها قيمة ولا قامة أخرى إلا بعد رحيلهم عن الدنيا؟!
 
نعم أدرك أن سرطان 25 يناير 2011 دمر كل شىء وأولها القيم الأخلاقية والوطنية، وقلبت معايير التقييم فأصبح الشريف الوطنى «مطبلاتى وفلول» وصار الإرهابى «أسيرا» والخائن «ثوريا» والجاسوس «ناشطا حقوقيا»، لكن كان الأجدى والأنفع لكل من دمعت عيناه على رحيل الأستاذ إبراهيم نافع أن يقف بجانبه وهو حى ويرد عنه الظلم الكبير الذى وقع عليه بإلصاق الاتهامات الباطلة، وبذل الجهد للمطالبة بعودته لبلده ليموت بين أحضانه!!
 
الحقيقة أن ثقافة تمجيد الموتى، متجذرة فى عمق التاريخ ومنذ عصر الأسرة الأولى، فالمصرى القديم ترك لنا تراثا حضاريا كبيرا عبارة عن «أساس جنائزى»، معابد ومقابر فقط، وفشلت كل البعثات العلمية الأجنبية والمصرية المنقبة عن الآثار فى مصر، فى العثور على أى رمز يعبر عن الحياة، مثل قصر أو منزل عادى.
وتمجيد المصريين للموتى يظهر فى بناء الأهرامات العظيمة وإحدى عجائب الدنيا السبع، فأصلها مقبرة لدفن الملك، وربما أسرته، وإذا سألنا عن قصور أو منازل للملوك الثلاثة الذين شيدوا الأهرامات، خوفو وخفرع ومنكاورع، والتى كانوا يعيشون فيها، فلا نجد!!
 
والبعض يتخيل أن عدد الأهرامات فى مصر ثلاثة فقط، وهى أهرامات خوفو وخفرع ومنكاورع، ولكن الحقيقة أن عدد الأهرامات المكتشفة حتى الآن تجاوزت 100 هرم، تمتد من منطقة أبو رواش بالجيزة حتى منطقة هوارة على مشارف الفيوم، وهى مبانٍ ملكية بناها قدماء المصريين فى الفترة من عام 2630 قبل الميلاد وحتى عام 1530 قبل الميلاد، ومازال البحث قائما وربما تخفى الأرض فى باطنها كثيرا من الأهرامات الأثرية!!
 
وأبدع المصرى القديم، فى النواحى المعمارية للمقابر وزينها بكل الرسومات والألوان الزاهية، وسجل سيرة حياته على جدران المقبرة، واستعد ليوم الحساب فى العالم الآخر استعدادا كبيرا، وحمل معه كل ما كان يستخدمه فى حياته اليومية، لتدفن معه فى المقبرة، ليستطيع أن يواجه بها الحياة الأخرى بعد مفارقة الدنيا.
 
كما تفنن فى إخفاء معالم حجرة دفنه داخل المقبرة بكل الوسائل المعمارية الممكنة، سواء بالحفر فى باطن الجبل، وحفر الأبواب الوهمية، أو بحفر بئر عميق يفصل حجرة دفنه، عن باقى المقبرة بالإضافة إلى الممرات والدهاليز الوعرة، وذلك إمعانا فى تضليل ومنع اللصوص من الوصول لحجرة الدفن، وسرقة محتوياتها من ذهب وتوابيت مرصعة بالعاج والأحجار الكريمة والتى تعد رأس مال المتوفى فى الحياة الأخرى!!
 
إذن تكريم المصريين للموتى، دون الحياة، عادة متأصلة ومتجذرة منذ فجر التاريخ، وليس وليدة اليوم، فلا عجب مما حدث مع الأستاذ إبراهيم نافع، الذى تحول إلى أسطورة بعد رحيله، بينما كان فاسدا وهو حى بيننا!!
ولك الله يا مصر..!!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة