أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

الأمن والتنمية

الأربعاء، 31 يناير 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تتفاوت نعم الخالق، عز وجل، فى منزلتها وقدرها بمدى ما يعود على الخلق من فائدتها، ومن أعظم ما منَّ الله به على خلقه نعمة الأمن والأمان، فلا تقوم حضارة ولا تتقدم أمة إلا بوجود الأمن، وفى القرآن الكريم إشارة لطيفة إلى هذا المعنى، فقد قال الله تعالى عن قوم صالح: «وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ»، فوصف حالهم وهم يبنون وينحتون البيوت من الجبال، وهو مظهر من مظاهر الحضارة، بالأمن، فلو انعدم الأمن ما استطاعوا أن ينحتوا بيوتًا من الخشب، فضلًا عن الجبال! وهو المعنى نفسه الذى ذكره رب العالمين فى قصة سبأ، فقد امتن الله على سبأ فأسكنهم الديار الآمنة، فتمكنوا من بناء حضارتهم العريقة، وتشييد مملكتهم العظيمة، قال تعالى: «وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِى وَأَيَّامًا آمِنِينَ»، فأثر الأمن على قيام الحضارات ونهضة الأمم اقتصاديًّا واجتماعيًّا لا ينكَر، بل هو ضرورة ولازمة من لوازم النهضة والتنمية فى أى مجتمع.
 
وتتجاوز نعمة الأمن بناء الحضارات وتقدم الأمم إلى الأفراد والمواطنين داخل كل دولة، فلا لذة للعيش، ولا قيام للدين، ولا أداء للعبادة والمناسك، إلا فى ظل أمن ينعم به الناس، فبالأمن والإيمان يتعارف الناس، وتتوثَّق الروابط بين أفراد المجتمع، ويأنس الجميع، ويتبادل الناس المنافع، وتزدهِر الحياة، وتغدَق الأرزاق، قال تعالى: «لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ. إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ. الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»، وبالأمن تُحقَن الدِّماء، وتصَان الأموال والأعراض، وتَنام العيون، وتطمئن المضاجع.
 
وبدون الأمن تختلُّ المعايش، وينضَب وصول الخير إلى الآخرين، ولا توصَل الأرحام، ويئنُّ المريض فلا دواءَ ولا طبيب، وتهجَر الديار، وتفارَق الأوطان، وتتفرَّق الأسَر، وتُنقَض العهود والمواثيق، وتبور التجارة، ويتعسَّر طلب الرزق، وتُعاق سُبل الدعوة، فيظهر الكذب، وتتبدَّل طباعُ الخَلق، ويفشو السوء، وتُقتَل نفوس بريئة، وتُرمَّل نساء، ويُيَتَّم أطفال!
 
ومن أجل هذه المنزلة العظيمة لنعمة الأمن كانت شرائع الله المتتابعة التى نزلت لتنعم البشرية بخير وفير إذا ما التزمت بها، فقد دعا الإسلام إلى الأمن، وشرع من الأوامر والنواهى ما يوجِد هذه النعمة العظيمة ويرسخها، ووضع جملة من التدابير تضمن أمن الناس واستقرارهم، منها:
 
أن الشريعة الإسلامية التى من مقاصدها حفظ النفس وصيانتها، جعلت قتل نفس واحدة، أى نفس، بغير حق بمثابة قتل الناس جميعًا، وجعلت إحياء هذه النفس كإحياء الناس جميعًا، يقول تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، ويقول نبى الرحمة، صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من ورطات الأمور التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله»، فجعل إصابة الدم الذى حرمه الخالق عز وجل ورطة لا مخرج منها لمن وقع فيها، ولا أدرى كيف لأقوام يستحلون دماء الناس بغير حق مع هذه النصوص الصريحة!
 
ومن أجل حفظ الأمن أيضًا حرم الإسلام إخافة الناس ولو بمجرد الإشارة إلى أحدهم بحديدة ولو على سبيل المزاح، يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه حتى يدعها»، وجعل الإسلام جزاء مَن يروِّع أخاه فى الدنيا أن يروَّع فى الآخرة، يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «مَن روَّع آمنًا فى الدنيا روَّعه الله يوم القيامة»، وكفى بترويع القيامة زاجرًا وناهيًا لمن يسفكون الدماء المعصومة!
 
ومن أجل حفظ أمن المجتمعات جعل الشرع الحنيف جريمة الإرهاب من أشد الجرائم عقوبة على الإطلاق، يقول تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عذابٌ عظيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ». وقد قال جمهور العلماء إن ثبوت خروج جماعة لقطع الطريق على الناس وإرهابهم يكفى ليحكم القاضى عليهم بأىٍّ من هذه العقوبات الأربع، ولو كانت القتل أو الصَّلب الذى لم يرد إلا فى هذا النوع من الجرائم.
 
ومن أجل حفظ أمن الناس واستتبابه فى المجتمع كذلك بُشِّرَ القائمون عليه من قوات الجيش والشرطة بالنجاة من جهنم وبئس المصير، يقول النبى: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله».
 
ومن أجل حفظ أمن المجتمعات جعل الإسلام الموت فى سبيل هذه الغاية النبيلة شهادة، سواء كان العدو من داخل الوطن متمثلًا فى فئة مندسة بين الناس تعايشهم، وتصلى بصلاتهم، وتصوم بصيامهم، لكنها لا تحمل فى قلوبها إلا الشر والحقد والضغينة، فهى أشبه بمن يأكل مع الذئب ويبكى مع الراعى، أو كان العدو من خارج الأمة، فدفع شر الإرهابيين والمعتدين واجب، فمن قتلوه من القائمين على أمن المجتمع وحماية حدوده فهو شهيد بإذن الله فى زمرة مَن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لقوله سبحانه: «ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ».
 
ولذا، فمن حق الشهداء علينا وقد ضحوا بأنفسهم من أجل أمننا والدفاع عن مقدرات بلادنا، أن نقر لهم بالجميل، وأن نحسن لهم ببر أبنائهم وأسرهم برًّا دائمًا وليس وقتيًّا يعقب استشهادهم، على الرغم من أننا مهما فعلنا كمؤسسات وأفراد فلن نوفى الشهداء حقهم، ولعل سلوى أم الشهيد ووالده وجميع أسرته على فراقه تكون فى إدراك علو منزلته عند ربه عز وجل، وأى منزلة تدانى منزلة الشهيد وقد أعد الله له جنات الخلود، وغفر له كل الذنوب؟! فقد سألت أم حارثة بن سراقة رسول الله عن مصير ابنها بعد استشهاده يوم بدر إن كان فى الجنة صبرت وإلا اجتهدت عليه فى البكاء، فقال لها: «يا أم حارثة، إنها جنان فى الجنة، وإن ولدك أصاب الفردوس الأعلى».
 
وعليه، فإننا ندعو لرجال قواتنا المسلحة ورجال أمننا البواسل بأن يوفقهم الله فى الذود عن أمننا وحماية حدودنا والثأر لشهدائنا، ونشكر لهم جميل صنيعهم، ونقول لهم إننا مِن خلفكم، بل جنبًا إلى جنب معكم، فكلنا فى جهاد من أجل القضاء على هذا الشر المستطير الذى ابتلينا به لننعم بالأمن والأمان الذى هو السبيل لتحقيق النهضة والتنمية التى ينشدها الجميع، وهذا يقتضى بالضرورة أن يدرك شبابنا الأخطار المحدقة ببلادنا، وأن يكونوا فى ميادين البناء والتنمية لا فى ساحات الهدم والتدمير، وأن يحذروا الأشرار الذين يستهدفون مستقبلهم ويستخدمونهم معاول لهدم وطنهم وتدمير مقدراته، وليعتبروا بتاريخ الأمم والشعوب، ولا يكونوا كالذين قال الله تعالى فيهم: «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الْأَبْصَارِ»، حمى الله مصرنا الحبيبة من شر الأشرار وأنعم علينا بالأمن والاستقرار.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة