أكرم القصاص - علا الشافعي

أكرم القصاص

صبرى موسى.. مبدع من حقل النحت الراوئى

الجمعة، 19 يناير 2018 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنا محظوظين لدرجة كبيرة أن جمعتنا ظروف العمل الصحفى مع عدد من كبار مبدعى جيل الستينيات، ومنهم الراوئى والكاتب الكبير صبرى موسى الذى غادرنا أمس بعد فترة ابتعاد عن الواقع الثقافى والصحفى، وإن لم يغب فى عالم الأدب والإبداع الحقيقى، فقد كان صبرى موسى مبدعا من نوع البنائين والنحاتين، وبالرغم من قلة عدد أعماله الروائية والقصصية فإن كل عمل من أعماله كان فتحا وطريقا جديدا فى الشكل والمضمون. 
 
عندما كنا نوجه له سؤالا عن قلة أعماله بشكل عام، وكان يرى أنه يكتب عندما يريد ويتوقف عندما يريد، وأعلن أنه بدأ قبل منتصف التسعينيات عملا منحه اسما مبدئيا «فنجان قهوة قبل النوم»، وهو عمل يجمع بين التذكر والذاكرة والنسيان، وكان الكاتب الكبير متحمسا لإنجاز عمله، ولم ينكر أنه كسول، وكان يفضل تأمل الحياة وعيشها، مكتفيا بأعماله الكبرى، كانت رواية «فساد الأمكنة»، وما تزال واحدة من أهم الروايات العربية، وتحتل مكانة فى الأدب العالمى، انشغل صبرى موسى فى أعماله كلها بمصائر ومآسى البشر باختياراتهم سواء نيكولا فى فساد الأمكنة، أو بطل «حقل السبانخ». 
 
كانت روايته فساد الأمكنة أقرب لنحت مشاهد وتفاصيل ومآسى فى جبل، وقد روى هو نفسه قصته فى بناء ونحت هذا العمل، قال إنه سافر لجبل الدرهيب فى الصحراء الشرقية قرب حدود السودان عام 1963، وولدت فكرة الرواية، وعاد إليه بعد عامين لزيارة ضريح أبوالحسن الشاذلى، ثم حصل على منحة تفرغ ليعايش المكان، وانتهى منها عام 1970، وكان هذا هو دأب صبرى موسى.
 
حادث النصف متر تمثل نسيجا مثيرا وعملا رياديا وما يزال يحمل قدرته على الإدهاش، بينما «السيد من حقل السبانخ» عمل جديد فى زمنه، وإن كان البعض قد يخلط بينه وبين 1984 لجورج أورويل، لكنه كان أول عمل يرصد مصائر العالم فى ظل سيطرة التكنولوجيا، ما قبل الحرب الإلكترونية، حيث يتحول الفرد إلى جزء صغير من عالم منضبط يتحكم فيه ويحدد مصيره، كانت تحمل نبوءة تحول عصر التكنولوجيا والتنصت والتحكم فى البشر فى عالم لا يترك لهم مجالا للحرية.
 
أعمال صبرى موسى تمثل بالفعل خامات روائية لأعمال سينمائية ودرامية عظيمة، لكن فقط «حادث النصف متر» تحولت إلى فيلم بهذا الاسم، والسيد من حقل السبانخ أنتجتها إذاعة البرنامج الثانى وقام ببطولتها جلال الشرقاوى وإنعام الجريتلى، بالرغم من أن صبرى موسى كان سيناريست مبدعا، من أشهر أعماله البوسطجى والشيماء وقنديل أم هاشم وقاهر الظلام ورغبات ممنوعة وأين تخبئون الشمس، لكنه لم يفكر فى تحويل أعماله الى السينما.
 
ويمثل كل عمل من أعماله فتحا جديدا، ولا تقل بعض أعماله من أدب الرحلات إبداعا فقد كتب عن الصحراء، وابتعد الكاتب الكبير عن الواقع الثقافى مختارا لحوالى 20 عاما، ثم إنه لم ينل حظه من الشهرة والنقد، لكونه لم يرتبط بتيار أدبى أو سياسى طوال حياته، ظل صبرى موسى فى كل أعماله يكتب بدقة وهندسية وبطء، هو نفسه كان يعترف به، والإتقان أهم ما يرجوه ولهذا فإن قلة عدد أعماله يعوضها عمق وصبر، وربما يكون قد انتهى من عمله الذى كان يعتبره الأهم، «فنجان قهوة قبل النوم». لكنه يظل بالرغم من قلة عدد أعماله أحد كبار البنائيين والنحاتين فى عالم الأدب. 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة