جمال أسعد

رفعت السعيد أستاذى الذى اختلفت معه

الثلاثاء، 22 أغسطس 2017 10:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دكتور رفعت السعيد السياسى والحزبى والمفكر والكاتب والمناضل الذى وافته المنية يوم الخميس الماضى فكان الخبر مفجعاً للجميع لمن أحبه واتفق معه ولمن اختلف معه. فرفعت السعيد شخصية ذات مواصفات خاصة أهمها ايمانه العميق بأفكاره وإخلاصه المتناهى لهذه الأفكار إلى آخر مدى، وهو كان فى حزب التجمع رومانة الميزان التى حافظت على وحدته حتى بعد عملية الانفصال التى شهدها الحزب بعد 25 يناير، فكان مخلصاً لخالد محى الدين وللحزب، سواء كان أميناً عاماً أو رئيساً للحزب أو فى أى موقع حتى آخر لحظات عمره. 
 
اختلف الكثيرون مع رفعت لكنه أثبت بحق محققاً على أرض الواقع مقولة الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، فبعد أن كنت موجهاً سياسياً فى منظمة الشباب الاشتراكى وعضو لجنة مركز فى الاتحاد الاشتراكى وبعد حل المنظمة والاتحاد تم تشكيل المنابر عام 1976 التى تحولت إلى أحزاب 1977 كان من الطبيعى أن أنضم إلى حزب التجمع، حيث إننى كنت يسارياً ناصرياً فكان التجمع هو الأقرب لأفكارى، وكنت أحد المؤسسين الشباب للحزب. تعلمت على إيدى أساتذته الأجلاء، وعلى رأسهم المناضل خالد محيى الدين، كان رفعت السعيد أكثر تأثيراً حيث كان مقيماً فى الحزب طوال الوقت لا يكل ولا يمل، ومع ذلك كانت بداية خلافى معه هو دور البابا شنودة السياسى، سواء كان بشكل مباشر أو بغير مباشر. 
 
أدركت من خلال علاقتى بالبابا أنه يتدخل فى أمور سياسية حتى لو كانت تخص الأقباط، كتبت فى الأهالى أرفض هذا الدور للبابا ولكن أخذ هذا الدور يتزايد خاصة بعد رجوعه عام 1985 بعد التحفظ عليه فى أحداث سبتمبر 1981 التى تم اعتقالى فيها كعضو فى التجمع، وأخذت فى الأعداد لكتاب «من يمثل الأقباط الدولة أم البابا»، عرف رفعت وطلب معى جلسة حوار لإثنائى عن إصدار الكتاب ليس لأن ما أطرحه خطأ، ولكن كانت رؤيته أن ما أقوله صحيح بل لديه أكثر منه، ولكن الوقت غير ملائم، هنا اختلفت مع رفعت، حيث إن الأهم هو كسر شوكة البداية وقد كان وتحملت ومازلت أتحمل ثمن موقفى هذا الذى تأكد فيما بعد من حصيلة الحصاد السلبى الذى يعانى منه الأقباط والوطن من هذا التدخل السياسى. 
 
والخلاف الآخر فقد علمت بورود شيك بمبلغ عشرة آلاف دولار لرفعت السعيد من أقباط المهجر لصالح حزب التجمع، وذلك عن طريق أحد الأساقفة. فاعترضت، حيث إن هذا يسىء للحزب، بل لرفعت، حيث موقفه فى الدفاع عن الأقباط. 
 
ثم كان الخلاف الآخر فقد كان هناك مؤتمر وحدة وطنية بالإسكندرية برئاسة خالد محيى الدين، وكنت أحد المتحدثين بصفتى عضو مكتب سياسى للحزب والأمين المساعد للجنة الدينية، وكان هناك مدعو من كهنة الإسكندرية للمشاركة فى المؤتمر وقبل بداية المؤتمر فوجئ الجميع باعتراض الكاهن على حضورى، وذلك بأمر من البابا شنودة وكأن الحزب فرعا من أفرع الكنيسة التابعة للبابا. 
 
اعترضت ورفض الأستاذ خالد هذا الموقف وطلبت كتابة مقال فى الأهالى للتوضيح، ولكن رفعت السعيد رفض النشر مما جعلنى أنشر المقال فى جريدة أخرى، هنا اعتبرت أن الحزب الذى تعلمت وتربيت فيه يحوله رفعت إلى تابع للكنيسة وهنا كانت الصدمة، حيث إننى كنت ومازلت أؤمن بالوضوح والصراحة والبعد عن الالتفاف، «ليكن كلامكم نعم نعم لا لا ومازاد على ذلك فهو من الشرير».
 
تركت الحزب ولكن ظلت علاقتى بالدكتور رفعت بالرغم من أننى قد كتبت هذه الوقائع وذلك الخلاف فى كتابى «أنى أعترف كواليس الكنيسة والأحزاب والإخوان المسلمين»، ولكنه لم يغضب بل كان تعليقه على اتهاماتى بأسلوب راقٍ فكاهى جعلنى أخجل وأتعلم من طريقته فى الخلاف. 
 
الكثيرون اختلفوا معه خاصة عندما أعلن عن الأسقف المنخفضة ولكنهم لم يعادوه ولم يعاديهم بل ظلت العلاقة الإنسانية ودام الاحترام، الكثيرون ظنوا بهذه الأسقف أنه باع تاريخه للسلطة، حيث إنه قبل عضوية مجلس الشورى فى الوقت الذى جمدت فيه عضوية ميلاد حنا لقبوله التعيين فى مجلس الشعب، ولكننى أعترف الآن بعد وصولى لسن الـ70 أن نظرة رفعت هى نظرة الأستاذ المحنك المجرب الذى يجيد قراءة الواقع قراءة صحيحة فى الوقت الذى يدرس ويقيم فيه الإمكانيات المتاحة للمواجهة حتى يحدد نوعها وأسلوبها. 
 
أدرك رفعت تراجع المعارضة واليسار لأسباب كثيرة موضوعية لا يتحملها اليسار بمفرده، فكان يتعامل مع الواقع حتى يصل إلى ما يريد ليس لصالح شخصى أو لهدف ذاتى، ولكن لطرح أفكاره والدفاع عن مبادئة وتبنى قضايا الجماهير التى أمن بها ويسعى إلى حل مشاكلها. 
 
أدى د. رفعت دوره الذى لم ينساه التاريخ فى كشف الإخوان ومواجهتهم وما يسمى بالتأسلم السياسى. أحب الوطن ودافع عن ملح الأرض فكانت بوصلته الحقيقية مصر الوطن وشعبها العظيم. رحم الله دكتور رفعت السعيد، وحمى الله مصر وشعبها العظيم.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة