خالد عزب يكتب: هنرى كيسنجر.. النظام العالمى؟

الإثنين، 08 مايو 2017 10:00 م
خالد عزب يكتب: هنرى كيسنجر.. النظام العالمى؟ غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر فى القاهرة تحليل ودراسة لآخر كتاب أصدره هنرى كيسنجر السياسى الأمريكى المخضرم وهو "النظام العالمى" ترجمة وتحليل من إعداد أشرف راضى الذى قام بمجهود كبير فى تحليل هذا الكتاب وفقًا لشخصية هنرى كيسنجر وتطور أفكاره، لعل أطرف ما جاء فى الكتاب هو رؤية هنرى كيسنجر للسياسة الخارجية فى العصر الرقمي، رأى المراقبون الذين يفكرون بعمق أن التحولات التى تساهم فى العولمة التى بدأت مع صعود الإنترنت وتكنولوجيا الكمبيوتر المتقدمة هى بداية عصر جديد من التمكين الشعبى والتقدم نحو السلام. ويشيدون بقدرة التكنولوجيات الجديدة على تمكين الأفراد وتعزيز الشفافية- سواء بنشر الانتهاكات التى ترتكبها السلطات أو نتيجة لتآكل الحواجز الثقافية التى تحول دون التفاهم. ويشير المتفائلون بقدر من التبرير إلى القوى الجديدة المذهلة للاتصالات التى تم اكتسابها من خلال الشبكات العالمية اللحظية. ويؤكدون قدرة شبكات الكمبيوتر والأجهزة الذكية على توفير كفاءات جديدة اجتماعية واقتصادية وبيئية. وتطلعوا إلى حل مشكلات تقنية كان يتعذر حلها من قبل بشحذ القدرات العقلية للجموع المرتبطة بالشبكة.

 

scan0001
 

ويفترض خط واحد فى التفكير أنه إذا طبقت مبادئ مماثلة لمبادئ الاتصالات الشبكية، بطريقة صحيحة، فى مجال الشئون الدولية فإنها قد تساعد على مشكلات عمرها أجيال للصراعات العنيفة. وتفترض هذه النظرية أن الصراعات العرقية والطائفية قد تكتم فى عصر الإنترنت، لأن الذين يعملون على إدامة الأساطير بشأن الدين أو الثقافة أو العرق أو أى شيء آخر ستناضل من أجل إبقاء هذه الروايات واقفة على قدميها وسط بحر من المستمعين الجدد المطلعين. وجهة النظر هذه، فإن الأجهزة الرقمية المرتبطة بشبكات ستصبح محركاً إيجابيا للتاريخ وستحد شبكات التواصل الجديدة من الانتهاكات وتحد من التناقضات الاجتماعية والسياسية وستساعد من الآن فصاعدًا على ربط المناطق المفككة فى نظام عالمى أكثر انسجامًا.

ويرى كيسنجر أن التفاؤل فى هذا المنظور يكرر أفضل الجوانب فى نبوءة وودرو ويسلون عن عالم توحده الديمقراطية والدبلوماسية العلنية والقواعد المشتركة. وتطرح أيضًا بعضًا من الأسئلة ذاتها التى طرحت فى الرؤية الأصلية لويلسون عن التمييز بين العملى والمأمول. ويشير إلى الحروب وقعت داخل المجتمعات وفيما بينها منذ فجر الحضارة. ولم يكن سبب هذه الحروب يقتصر على غياب المعلومات أو عدم كفاءة القدرة على تبادلها. ولم تنشب الحروب بين المجتمعات التى لا تستطيع التفاهم مع بعضها وحسب وإنما نشبت أيضًا بين الجماعات التى تفهم بعضها. وحتى عندما يجرى فحص مصدر المادة ذاته، اختلف الأفراد حول المعنى أو القيمة الذاتية للأشياء التى تصورها. وعندما تكون القيم أو المثل أو الأهداف الاستراتيجية فى تناقض جوهرى فإن الانكشاف والاتصال قد يشعلا المواجهات فى بعض الحالات بقدر ما تعمل على تهدئتها. وتحفز شبكات التواصل والمعلومات الجديدة النمو والإبداع. فهى تسمح للأفراد بالتعبير عن آرائهم والإبلاغ عن المظالم التى كانت ستمر دون أن يلحظها أحد لولا هذه الشبكات. وتقدم فى مواقف الأزمة قدرة حاسمة على التواصل بسرعة وعلى نشر الأحداث والسياسات على نحو يمكن الوثوق فيه- وربما على نحو يمنع نشوب حرب جديدة نتيجة لسوء الفهم.

أما عن توقعات كيسنجر فى الكتاب أن كلا من العراق وسوريا- البلدان اللذان كانا قاعدة القومية العربية- إعادة توحيد نفسيهما كما كانا فى السابق دولا ذات سيادة. ويرى كيسنجر أن الصراع فى كل من سوريا والعراق والمناطق المحيطة بهما أصبح رمزا لظاهرة غير محمودة العواقب. ومن هنا تتفكك الدولة إلى وحدات طائفية وقبلية بعضهما يمتد فوق الحدود الوطنية تعيش حالة من النزاع العنيف فيما بينها وتتلاعب بها قوى وفصائل من الخارج، ولا تحترم قواعد عامة غير استخدام القوة. فبعد الثورة أو تغيير النظام بدون قبول سلطة جديدة كسلطة شرعية من قبل الغالبية الساحقة فإن عددا من الفصائل المتنوعة ستظل تخوض نزاعا مفتوحا مع القوى المنافسة لها، مما يعنى تحول أجزاء من البلد إلى مناطق تعيش فيها الفوضى بشكل لن تكون فيه الحكومة المركزية قادرة أو لا تملك الاستعداد لفرض سيطرتها على حدودها الوطنية أو الكيانات  غير- الدول مثل حزب الله والقاعدة وطالبان وتنظيم الدولة. وحدث هذا فى العراق وليبيا وإلى حد كبير وخطير فى باكستان.

ويشير إلى أن سياسات الولايات المتحدة ودعواتها لتشكيل قوىً ديمقراطية عادة ما كانت تؤدى للفشل كما فى حالة شاه إيران أو لا يلقى لها بالا كما فى مصر التى أطاح فيها عبد الفتاح السيسى بالحكومة المنتخبة. وعلى ما يبدو لم يستمع لمطالب أمريكا بحثا عن تحالفات جديدة، مبتعدا عن الحلف التقليدى مع واشنطن. وفى حالات كهذه يجب على الولايات المتحدة أن تقرر بناء على  ما يمكن تحقيقه ويجمع ما بين الأمن والأخلاق. وفى العراق لم يؤد حل نظام صدام حسين القاسى إلى ديمقراطية بل انتقام، حيث عمل كل فصيل على تعزيز سلطته ضد الفصيل الآخر. وفى ليبيا فقد أدت الإطاحة بنظام معمر القذافى إلى نزع أى مظهر من مظاهر الحكم الوطني. وقامت الجماعات والقبائل بتسليح نفسها من أجل تحقيق الحكم الذاتى أو التسيد عبر الميليشيات المستقلة. وفى الوقت الذى حصلت فيه حكومة مؤقتة فى طرابلس على اعتراف دولى إلا أنها لم تكن قادرة على فرض سيادة خارج العاصمة. وانتشرت الجماعات المتطرفة، مما أدى لاندلاع الجهاد فى الدول الجارة مستخدمة السلاح الذى نهبته من ترسانة القذافي.

ويقول (كيسنجر)، عندما لا تكون سلطة الدولة مفروضة على كل البلاد يتفكك معها النظام الإقليمى والدولي، وتصبح الخريطة معلمة بمناطق خارجة عن القانون والنظام. ومن هنا فانهيار الدولة قد يؤدى إلى تحويل أراضيها لقاعدة للإرهاب وتهريب السلاح والحقد الطائفى ضد الجيران. محاور القتال ويشير إلى أن المحاور التى أصبحت خارجة عن سيطرة الدولة أو الجماعات الجهادية تمتد على مساحة العالم الإسلامى من ليبيا إلى مصر واليمن وغزة وأفغانستان وسوريا والعراق ونيجيريا ومالى والسودان والصومال. بالإضافة للنزاعات الأخرى التى انتقلت للجوار مثل  ما يجرى فى جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان. وفى ظل هذا الفراغ يقول (كيسنجر) إن الشرق الأوسط يعيش وسط نزاع يشبه ما واجهته أوروبا فى القرن السابع عشر من حروب دينية. وفى الدول التى لم تستطع الدولة فيها الحفاظ على سلطتها فإنها تمارسها بدون قيد أو شرط وكوسيلة للبقاء. وفى الدول التى تتفكك فإنها تتحول لساحة منافسة بين القوى المحيطة بها والتى يتم فيها فرض السلطة دون اعتبار لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.

ومن هنا فالنزاعات التى تتكشف اليوم هى دينية وجيوسياسية. وفيها كتلة سنية مكونة من السعودية ودول الخليج، وإلى حد ما مصر وتركيا فى مواجهة مع إيران الشيعية التى تدعم حصة الأسد فى سوريا وبغداد وعدد من الجماعات الشيعية وحزب الله فى لبنان وحماس فى غزة.

وتدعم الكتلة السنية الانتفاضة فى سوريا ضد الأسد وفى العراق ضد بغداد. وفيما تقوم إيران الطامحة لتوسيع نفوذها فى المنطقة باستخدام كيانات غير دول مرتبطة بإيران وأيديولوجيتها حتى تؤثر فى شرعية منافسيها. وفى هذه المعركة يحاول المشاركون فى الحزب البحث عن دعم من الخارج مثل روسيا والولايات المتحدة. ويرى أن أهداف روسيا فى دعمها للنظام تظل استراتيجية، ففى الحد الأدنى لمنع تحول انتقال الجماعات الجهادية فى كل من العراق وسوريا للوصول إلى مناطقها المسلمة، وعلى قاعدة أوسع تطمح روسيا لتعزيز موقعها الدولى فيما يتعلق بالمنافسة مع الولايات المتحدة.

ويشير إلى أن مأزق أمريكا هو أنها تنتقد الأسد على أسس أخلاقية- عن حق- لكن الكتلة الأكبر من معارضيه هى القاعدة والجماعات الأكثر تطرفاً التى يتعين على الولايات للمتحدة معارضتها استراتيجيا. ولم تكن روسيا ولا الولايات المتحدة قادرتين على اتخاذ قرار بما إذا كان سيتعاونان أم ستقوم كل منهما بمناورة ضد الدولة الأخرى، رغم أن الأحداث فى أوكرانيا قد تحل هذا التناقض فى اتجاه توجهات الحرب الباردة. ويدور صراع على العراق بين عدة معسكرات- هذه المرة إيران والغرب والفصائل السنية الساعية للانتقام- كما كان فى مرات كثيرة فى تاريخه حيث نفذ ذلك السيناريو لكن بلاعبين مختلفين. وبعد تجارب أمريكا المريرة وفى ظل ظروف تعارض التعددية بشدة، أن تترك هذه الاضطرابات تمضى فى طريقها وتركز على التعامل مع الدول التى ستنشأ عن تلك العملية، لكن عدداً من الخلفاء المحتملين أعلنوا أن أمريكا والنظام العالمى الوستفالى أعداء رئيسيين.

ويرى كيسنجر أنه فى مرحلة الإرهاب الانتحارى وانتشار أسلحة الدمار الشامل فإن الانزلاق نحو مواجهات طائفية إقليمية يجب أن ينظر إليه باعتباره تهديداً للاستقرار العالمى يتطلب جهوداً تعاونية من قبل كل القوى المسؤولة التى جرى التعبير عنها ببعض التعريف المقبول للنظام الإقليمى على الأقل. ويقول أنه إذا لم يتسن إقامة النظام، فإن مناطق شاسعة مهددة بأن تصبح فى فوضى ومفتوحة لأشكال من التطرف الذى سينتقل بشكل عضوى إلى مناطق أخرى. ومن هذا النمط المتعارض ينتظر العالم ترسيخ نظام عالمى آخر من خلال أمريكا والدول الأخرى التى يتيح لها وضعها أن تتبنى رؤية عالمية.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة