يوسف عامر

القضاء على الإرهاب .. مسئولية مجتمع !!

الجمعة، 29 ديسمبر 2017 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحدثنا فى المقال السابق حول خطورة «التعصب للرأي»، وكيف أنه يُعد البذرة الأولى للإرهاب داخل كل شخص، وأن خطورته تكمن فى أن أى إنسان يتمسك برأيه، ويرفض أن يتقبل الرأى الآخر، ويعتبر نفسه محقًا على الدوام فى كل ما يراه ويفعله ، يُؤجج - دون أن يدرى - بداخله بركان التطرف، ويشعل فتيل الانفجار الذى يُهلكه وجميع من حوله.
 
وفى هذا المقال نجيب على سؤال مهم، وهو : إذا كان التعصب للرأى هو البذرة الأولى - أو منشأ الإرهاب.. فكيف نعمل سويًا على وأد هذه الفكرة قبل أن تولد وتنمو وتتحول إلى أشواك تدمى قلوب الأبرياء صباح مساء ؟
 
إن العمل على إنبات بذور المحبة والسلام والتعايش وقبول الآخر، وفى المقابل وأد بذرة الإرهاب الأولى - التعصب للرأى - داخل كل شخص، يبدأ من الصغر، وفى سبيل هذا لابد أن تتحد جهود الجميع لوأد هذه البذرة الخبيثة داخل أى شخص غير مؤمن بأهمية الحوار، وقبول الرأى والرأى الآخر، والتنوع، قبل أن تنمو وتدمر المجتمع . 
 
والبداية دومًا تكون من عند الأصل لكل إنسان منا؛ فجهود وأد ظاهرة « التعصب للرأى »، تبدأ من الأب والأم اللذين يجب أن يجسدا لأبنائهما الأمثلة الحية على أهمية الحوار، وكونه الطريق الأوحد للوصول بسفينة الأسرة إلى بر النجاة من جانب ، ولخلق مجتمع أسرى ناجح ، ونافع، وهادئ، وسعيد من جانب آخر، كما يجب على الأبوين أن يفتحا باستمرار نقاشات فى قضايا رئيسية وأخرى فرعية مع أبنائهم، يكون الهدف منها تنمية مبدأ قبول الرأى والرأى الآخر داخل الصغار، وتدريبهم على الإيمان بمبدأ أن الرأى قابل للصواب مرة، وللخطأ مرات كثيرة.
 
وبجانب الأسرة يأتى دور المدرسة، وهنا يجب أن تركز المناهج على سرد قصص وشواهد تاريخية تُعلى من قيم التنوع والتعدد وقبول الرأى والرأى الآخر، وتُنبت فى نفوس الصغار أن الاختلاف فى الدين، والمعتقد، والرؤى، وحتى فى اللون، والعرق سنة إلهية، عليها جُبل الناس، وأن الاختلاف لا يعنى بأى شكل من الأشكال التناحر والانقسام، بل يجب أن يكون دائمًا جسرًا نعبر من خلاله إلى طريق احترام الإنسان لأخيه الإنسان. 
 
كما يجب أن تغيب من خواطر المعلمين صورة المدرس الذى لا يقبل أن يناقشه تلاميذه فى أى أمر، والذى يرى فى نفسه الآمر الناهي ، وصاحب الرأى الأصوب على الدوام ، لأننا أمام جيل - وإن كان صغيرًا فى السن - إلا أنه يمتلك من الوسائل التكنولوجية، والمقومات الفكرية ما يجعله مختلفًا عن كل الأجيال السابقة، وهى المتغيرات التى تجعل من النقاش، وإعلاء آرائهم، واحترام عقلياتهم، هو الاستراتيجية الناجحة لتوجيههم إلى الطريق الصواب، وإلا سنفاجأ بجيل من غير المؤمنين بالحوار، والرافضين لأى آراء مخالفةٍ لآرائهم، وهو ما يعنى أننا سنخرج بأيدينا أجيالًا من المتعصبين للرأي، المعرضون بسهولة للوقوع فى شباك الجماعات الإرهابية.
 
ثم يأتى بعد ذلك دور المؤسسات المعنية بنشر الثقافة العامة وتصحيح المفاهيم، ولا شك أن القضاء على «أمية الثقافة» من خلال نشر المعلومة بشتى الوسائل - كتاب أو منشور على «فيس بوك» أو تغريدة على «توتير» وغيرها - يُسهم بشكل رئيس فى الوصول إلى الهدف؛ فالإنسان المثقف هو الأكثر ألفة ومحبة وتعايشًا، وهو أيضًا الأبعد عن التعصب للرأى والتطرف.
 
وتتكامل الجهود السابقة للأسرة والمدرسة والمؤسسات المعنية بنشر الثقافة العامة، حين يؤمن أفراد المجتمع بضرورة الاتحاد، والعمل كوحدة متماسكة فى سبيل الحفاظ على القيم والأخلاق والآداب والسلوكيات العامة، وإعلاء مبدأ قبول الرأى والرأى الآخر؛ تتكامل الجهود ويتحقق الهدف حين يُدرك الجميع أن القضاء على الإرهاب مسئولية مجمتع بأكمله، وليس مسئولية مؤسسة أو جهة بمفردها.
 
وهنا يجب أن نذكر جملة مهمة، أوردها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، فى التقرير الذى أعدته وحدة رصد اللغة الإسبانية بعنوان: «أسباب الإرهاب»، تقول الجملة التى سنوردها بنصها: «لأن الفكرة لا تواجه إلا بالفكرة، فعلينا أن ننتبه لخطورة تنشئة الأجيال على الرأى الأوحد، وكما هو منهج الأزهر الشريف فى الوسطية، وتقبل كل الآراء العلمية المعتبرة، فإن ترك مساحة للحوار وتقبل الآخر والمرونة الفكرية، هو أهم ما يواجه به أى مجتمع ظاهرة التعصب للرأي، التى هى البذرة الأولى للتطرف».









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة