أكرم القصاص - علا الشافعي

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 25 ديسمبر 1959.. الأهرام تنتهى من نشر «أولاد حارتنا» ومحفوظ يواجه مناقشات ساخنة فى «كازينو الأوبرا»

الإثنين، 25 ديسمبر 2017 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 25 ديسمبر 1959.. الأهرام تنتهى من نشر «أولاد حارتنا» ومحفوظ يواجه مناقشات ساخنة فى «كازينو الأوبرا» نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«انتهت القصة».. هكذا كتبت جريدة «الأهرام» آخر كلمتين فى «نشرها» أولاد حارتنا «لأديب نوبل نجيب محفوظ، يوم 25 ديسمبر»، مثل هذا اليوم 1959، بعد أن بدأت نشرها يوم 21 سبتمبر 1959، فهبت العواصف حولها ومازالت، وحسب محمد شعير فى دراسته «قاهرة 1959 - أولاد حارتنا، صراع الكاتب مع رموزه خارج الراوية»، فإن «محفوظ» ذهب فى هذا اليوم «25 ديسمبر» إلى ندوته الأسبوعية فى «كازينو الأوبرا»، وكان معتادا أن ينصرف فى الواحدة والنصف، لكنه فى ذلك اليوم حرص على البقاء حتى الثالثة والنصف لسخونة النقاش حول الرواية، يضيف «شعير»: «تزعم رفض الرواية فى الندوة مدرس أدب فى كلية الآداب، وناقد صحفى فى إحدى الجرائد اليومية، ولم تشر جريدة «الجمهورية» التى غطت تفاصيل اللقاء إلى اسميهما، لكن محفوظ أوضح- لأول مرة- وجهة نظره كاملة فى الرواية. قال: «إنه يريد الكشف عن الهدف الأساسى للبشرية، وهو البحث عن سر الكون، وحتى تستطيع البشرية الكشف عن هذا السر، تحتاج إلى التفرغ له والاستعداد، وهى لن تتمكن من هذا إلا بعد القضاء على استغلال الأغنياء للفقراء، والصراع بين الناس من أجل لقمة العيش».
 
 
أضاف محفوظ: «القصة تصور هذا الصراع المرير الذى تزعمه الأنبياء والرسل دفاعا عن الفقراء، وتهيئة العيش السعيد للناس أجمعين حتى يتفرغوا للبحث الأعظم، ولكن ما إن تنتهى الرسالة حتى يعود الأغنياء فيقبضون على زمام الأمور، وتعود المعركة من جديد للوصول إلى العدل والرفاهية للجميع، ثم تدخل «العلم» بعد انتهاء الرسالات ليقوم بنفس الغاية وهى إسعاد الناس، ولكن المستغلين سخروا العلم لمصلحتهم أيضا، وقتلوا رمزه فى القصة، إلا أن شخصا آخر استطاع الهروب بسر الاختراعات العلمية الحديثة، ليعاود الكفاح من أجل إنهاء الصراع بسبب لقمة العيش والتفرغ لمعرفة سر الحياة».
 
 
يؤكد «شعير»: «الناقد الذى لم تذكر الجمهورية اسمه اعترض على ما قاله محفوظ، معتبرا أن القصة لم تضف جديدا، هى فكرة قديمة، هى مجرد تسجيل لتاريخ البشرية بلا إضافة من الكاتب الذى لم يحاول أن يستخلص من هذا التاريخ مغزى عاما جديدا، أو موقفا فكريا خاصا، وأنه فضلا عن ذلك قد جعل العلم يتمسح فى الغيبيات، فى حين أنه نبذها من أول ظهوره حتى الآن».
 
 
كان هذا ما حدث يوم انتهاء نشر الرواية، أما بداية النشر فحمل ظروفا يكشفها محفوظ لرجاء النقاش فى «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» عن «دار الشروق-القاهرة»، مشيرا إلى حصول محفوظ على «جائزة الدولة» عام 1957، فاحتفل به إحسان عبدالقدوس فى منزله بشارع «قصر العينى» بحضور كوكبة منهم الشاعر كامل الشناوى، وأثناء الحفل طلب «على حمدى الجمال»، مدير تحرير الأهرام، منه رواية لنشرها كطلب رئيس التحرير محمد حسنين هيكل، فاعتذر لأنه ليس لديه رواية جاهزة، لكنه وعد بأول رواية يكتبها، فكانت «أولاد حارتنا» التى انتهى من كتابتها فى إبريل 1958، بعد انقطاع خمس سنوات «1952 إلى 1957».
 
 
حصل الجمال من «محفوظ» على الرواية، فأعطاها لهيكل الذى يؤكد ليوسف القعيد فى كتاب «محمد حسنين هيكل يتذكر: عبدالناصر والمثقفون والثقافة» عن «دار الشروق- القاهرة»، أن الجمال قال له إن محفوظ طلب منه قراءتها بعناية، وحمل هيكل الرواية إلى البيت وقرأها، فأدرك مغزى طلب محفوظ، لكنه استقر على النشر، ويقول: «تصورت أن بعض رجال الدين قد يحاولون وقف نشرها، ولكل قلت: سأنشرها يومية، وكانت أول مرة تنشر فيها رواية يوميا».
 
 
بدأ النشر على مساحة تزيد قليلاً على ثلث صفحة، وبدأت الأزمة بعد نشر الصفحة الأدبية بجريدة «الجمهورية» خبرا بأن الرواية فيها تعريض بالأنبياء، يؤكد محفوظ: «بدأ البعض ومن بينهم أدباء، للأسف، فى إرسال عرائض وشكاوى إلى النيابة العامة ومشيخة الأزهر، بل إلى رئاسة الجمهورية يطالبون وقف النشر، وتقديمى إلى المحاكمة، وقال هؤلاء: «الشخصيات الموجودة فى الرواية ترمز إلى الأنبياء»، لكن «شعير» يكشف أن الهجوم الأول كان فى مجلة «المصور» عبر رسالة لقارئ يدعى «محمد أمين» إلى الشاعر صالح جودت، محرر باب «أدب وفن» فى 18 ديسمبر 1959، والقارئ اختار جودت- حسبما ذكر فى رسالته المنشورة-لأنه «من القلائل الذين لم يدخلوا سوق النفاق»، واعتبر أن محفوظ فى روايته الجديدة «يحيد ويجانب كل أصول القصة، فكتابته الأخيرة لا هى رمزية ولا هى واقعية، ولا هى خيال، ولا تنطبق على أى قالب معروف»، وأضاف: «جاء محفوظ ليتحدى معتقدات راسخة، ولهذا يتعذر على كائن من كان حتى ولو محفوظ نفسه أن يقدمها بمجرد كتابة قصة.التستر وراء الرموز أضعف قضية نجيب محفوظ فى مجتمع يجل الدين بطبيعته. جودت رد على صاحب الرسالة: «لا أستطيع أن أحكم على القصة الأخيرة لمحفوظ، الذى لا شك فى أنه يعد قصاص الطليعة عندنا اليوم، فإذا كان قد نحا فى قصته الجديدة نحوا جديدا غير ما تعودناه فى روائعه السابقة، فالحكم فى ذلك لمن قرأوا القصة».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة