"قبل أن تهجر الأرض الزراعية".. نكشف كواليس معاناة الفلاحين فى محافظات مصر.. ارتفاع أسعار الأسمدة والوقود وأجور العمالة وضعف ثمن التوريد للحكومة..أزمات تحاصر الفلاح.. وطلب إحاطة لوزيرى الزراعة والتموين

الثلاثاء، 10 يناير 2017 04:00 ص
"قبل أن تهجر الأرض الزراعية".. نكشف كواليس معاناة الفلاحين فى محافظات مصر.. ارتفاع أسعار الأسمدة والوقود وأجور العمالة وضعف ثمن التوريد للحكومة..أزمات تحاصر الفلاح.. وطلب إحاطة لوزيرى الزراعة والتموين نكشف كواليس معاناة الفلاحين فى محافظات مصر
كتب : مصطفى عبد التواب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

احتياج الأرض الزراعية للأسمدة يرجع إما لفرق فى نوعية التربة نفسها أو لمكافحة مئات الأنواع من الأمراض المنتشرة فى الهواء والتى تضعف من حجم المحصول النهائى، حيث تحتاج الأرض فى مصر إلى ثلاث أنواع من الأسمدة "أزوتية وفوسفاتية وبوتسيوم" إلى جانب المبيدات المقاومة للأمراض وذلك بحسب مركز الأرض لحقوق الإنسان.

 

وبحسب المركز ذاته فإن مصر تنتج من الأسمدة الزراعية 19 مليون طن سنوياً فى حين لا يتجاوز الاحتياج المحلى 11 مليون طن فى العام الواحد وتصدر الكمية المتبقية، ووفقا لبيانات البنك المركزى فإن إجمالى الصادرات المصرية من الأسمدة شهد ارتفاعا خلال العام الجارى، حيث سجل 143.9 مليون دولار بنهاية الربع الثانى من السنة المالية الماضية، وتشير تقارير البنك ذاته إلى أن الإجمالى صادرات مصر من الأسمدة يتجاوز النصف مليار دولار سنوياً.

 

وعلى الرغم من هذه النتائج التى يسجلها الإنتاج المصرى من الأسمدة فى معدل الصادرات المصرية، إلا أن الفلاح المصرى المحلى يشكو من أزمة ارتفاع فى أسعار السماد وعدم ثبات للسعر وسط تراجع لدور الجمعيات الزراعية، فبحسب شعبان الطوخى، أحد أصحاب المزارع بمركز طوخ محافظة القليوبية، فإن الجمعيات الزراعية لا توفر سوى صنفين فقط، هم "النترات" و"اللوريا"، بفارق 50 جنيها عن الأسعار لدى التجار، حيث تباع "الشكارة" لدى الجمعية بـ100 جنيه بينما تباع فى الخارج بـ150 جنيها، مستطردا: هذه ليست الأصناف التى نحتاجها فقط فى ظل حالة الأراضى السيئة وانتشار الكثير من الأمراض التى تقدر على إفناء المحصول أن لم يقم الفلاح باستخدام السماد أو المبيد اللازم لمواجهتها.

 

ووفقا للبيان الصادر العام الماضى عن الجمعية العامة للإصلاح الزراعى فإن 80% من الشركات المنتجة للأسمدة محليا لم تورد الأسمدة إلى الجمعيات الزراعية، وهو ما نتج عنه خلو المخازن فى المحافظات، بالرغم من أن هناك موسما زراعيا شتويا يحتاج إلى هذه الأسمدة، وما هو متوفر لدى الجمعيات لا يتعدى 20% من المطلوب، نظرا لعدم توريد الأسمدة سوى من شركتين تابعتين للقطاع العام هم أبو قير والدلتا بما يعادل 80 ألف طن فقط.

واستنكر المهندس الزراعى محمد حمدى الأشعل، أحد أصحاب محال تجارة السماد الحر بمركز منفلوط بمحافظة أسيوط تراجع دور الجمعيات الزراعية بشكل عام قائلا: الجمعيات الزراعية فى حقيقة الأمر هى عبارة عن مكاتب من المفترض أن يعمل بكل مكتب منهم ما يقرب من 20 موظفا لكن فى الحقيقة لا يذهب منهم سوى موظف واحد ".

 

وأضاف الأشعل إنه لا رقيب على  المصانع فى أسعار الأسمدة الزراعية، حيث ترفع الشركات كل أسبوع الأسعار دون إبداء الأسباب المنطقية لهذه الزيادة وما على التاجر إلا أن يرفع الأسعار هو الآخر، وفى النهاية يتحمل الفلاح كلفة هذه الزيادة مشيرا إلى أن بعض الأصناف تدخل إلى مصر مستوردة من الخارج بتكلفة 30 جنية للتر وأخيرا  تباع للتجار بسعر 70 جنيه، مما يجعل هذه الزيادات جنونية، وأعطى الاشعل مثالاً بمبيد يسمى "سليكت سوبر" دواء لحصار الحشائش، فقد كان اللتر منه منذ 3 شهور 207 جنية فى الجملة لكن اليوم وصل سعره 400 جنيه مما جعل بعض الفلاحين ينصرفون عن الشراء وهو ما سينعكس على الإنتاج وأسعار الحاصلات الزراعية فى السوق المصرى حسب قوله.

 

وكشف الأشعل عن جانب آخر قائلا : هناك أزمة فى الظل لا يشعر بها أحد وهى الإقبال المتزايد على الأسمدة والمبيدات المصنعة فى مصانع بير السلم، لأنها تقدم بأسعار أقل، نظرا لأن هذه المصانع لا تقدم مادة فعالة بالكميات المطلوبة، وكذلك لا تدفع ضرائب أو  رسوم للدولة، مشدداً على أن الفلاح يلجأ لهذه الأسمدة وهو يعرف أنها لن تحقق الهدف لكن قلة الأموال معه تدفعه إليها والنتيجة فى النهاية ستكون قلة المحصول وزيادة الأمراض التى تهدد المحاصيل.

 

وأوضح  الأشعل أيضا أن حل هذه المشكلة يتمثل فى أن تقدم الحكومة أسعارا محددة كما يحدث فى الأدوية الطبية البشرية، حتى لا تترك الأمر لعبث المصانع التى لا أحد يعلم أسباب الزيادات المستمرة فى منتجاتهم والتى وصلت إلى حد الجنون، حتى وإن كانت الأسعار الصادرة من الحكومة استرشادية فى حركة البيع والشراء.

 

وسط فدان الطماطم الذى يملكه يجلس مجدى شبل، أحد فلاحى مركز طوخ، قائلا: هناك مشكلة ممثلة فى ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية الحرة  فلو الفلاح لم يشتر المبيدات الخاصة بالحشائش والأمراض المنتشرة فى الهواء ستتمكن هذه الأمراض من محصوله وستقضى عليه تماماً ولن يأتى بالمحصول المطلوب أن لم تتوفر له الأسمدة اللازمة فى الجمعيات أو على الأقل بأسعار مناسبة فى السوق الحر، وهو ما قدر خسارته بالنسبة له بما يقرب من 30 ألف جنيه انفقهم على الفدان طوال فترة زراعته، واختتم غاضباً" لو حدثت زيادة جديدة فى أسعار الأسمدة سأكون أول من يترك أرضه ولا يزرعها لأننا لن نتاجر فى الخسارة".

أحمد حسن، أحد تجار الأسمدة الزراعية بمركز طوخ محافظة القليوبية، قال إنه فى حال زيادة أسعار الأسمدة الزراعية فى الفترة القادمة سيكون هناك عجز فى قدرة الفلاح على الشراء، وهو ما بدأ يظهر الآن لدى أصحاب الحيازة الزراعية الأقل لأنهم لم يصبحوا قادرين على شراء الأسمدة المطلوبة لأراضيهم، وسينعكس هذا على المحصول الناتج فى النهاية لأن هناك أمراض وأنواع من الحشائش قادرة على إضعاف التربة الزراعية وقادرة على إضعاف النبات والأشجار.

 

ونفى مجلس الوزراء ما تردد من أنباء عن إصدار الحكومة قرار بزيادة أسعار الأسمدة الزراعية بنسبة 50%.

أجور العمالة الزراعية فى ارتفاع ..والفلاح : كفاية علينا غلاء الكهرباء والسولار

أزمة أخرى يعانى منها أصحاب المزارع تتمثل فى ارتفاع أجور الأيدى الزراعية العاملة، ويمكن تلخيص ذلك فيما قاله المزارعين أنفسهم "نحن لا نرفع الأجور رغبة منا فى الرفاهية، لكن ارتفاع أسعار كل شيء هو ما يدفعنا لطلب أجر أكبر لمواكبة ارتفاع سعر الحياة".

 

الهادى إبراهيم أحد أصحاب المزارع بمحافظة أسيوط، قال إن أصحاب المزارع أمام أزمة كبرى ملخصها سعر العمالة، ففى الوقت الذى يعانون خلاله من زيادة فى أسعار الكهرباء والمبيدات والأسمدة والسولار، تزيد أجور العمالة بشكل جنونى، حيث وصلت خلال عام واحد من 30 جنيها إلى 70 جنيها ومن المرجح أن تزيد مجدداً بحسب قوله.

 

ويشير الهادى إلى أن هذه العمالة التى ترتفع أجورها هى غير مدربة بالشكل الكافى، ما يكبد أصحاب المزارع خسائر جديدة ممثلة فى إهدار ساعات العمل، والوقود حيث تستهلك الآلات الرى، أو الرش، 25 لتر سولار فى الساعتين والعمالة لا تعمل بشكل احترافى، ما يجعل ربع هذه المدة مهدر على صاحب المزرعة.

 

وبحسب عادل الجمال أحد أصحاب المزارع فى محافظة البحيرة، فإن أجور العاملين تزيد بما لا يقابلها زيادة فى أسعار المنتج نفسه، بعدما ضاقت الأسواق أمامه وأصبح يفيض عن الاستهلاك المحلى، كما حدث خلال  الأربعة أشهر الماضية حيث زادت أسعار العمالة بطريقة لم يعد أصحاب المزارع يتحملونها، وبلغ سعر العامل الذى يعمل 4 ساعات فى اليوم 80 جنيها بعدما كان 60 جنيها منذ أقل من شهرين و40 جنيها منذ ثلاث شهور فقط بحسب قوله.

 

وأشار الجمال إلى أن هناك نوعا آخر من العمالة الزراعية وهى العمالة الثابتة فى المزارع والتى تعمل على الحراسة والرى، وهذا النوع بحسب قوله زاد خلال فترة الثلاث أشهر الماضية من 1200 جنيه إلى 2200 جنيه مع توفير الطعام والشراب والمسكن الجيد لهم داخل المزرعة نفسها.

 

وأوضح الجمال أن المعاملة لديهم فى البحيرة مختلفة نظراً لان العمالة ليست من سكان المحافظة وإنما هى عمالة يأتى بها مقاول أنفار يجمعهم من محافظات الفيوم والصعيد ويقايضون أصحاب الأراضى على تنفيذ المهام التى كان مقرر إنجازها فى فترة زمنية لمدة "أسبوع" لينتهوا منها فى يومين فقط بنفس المقابل المادى.

واختتم مشدداً على أن الأزمة ليست أجور العمالة لكنها فى بخس أثمان المنتج النهائى بما يؤثر على المنظومة برمتها.

 

وفى محافظة الشرقية، يقول أحمد الهلالى أحد أصحاب المزارع هناك، إن المزارع تحتاج إلى أعمال سنوية مستمرة، مثل الرى والتقليم و"العزيق" – الحرث-، والجمع، مؤكدا أن الذين يزرعون الأشجار يحتاجون للتعامل مع العمالة بشكل موسمى فقط، لكن الذين يزرعون الخضروات والحبوب والحاصلات التى لا تظل فى الأرض سوى 3 شهور، فهم  يحتاجون إلى عمالة بأعداد أكبر.

 

كما أشار الهلالى إلى أن بعض أنواع العمالة المخصصة فى تقليم أشجار كالعنب وصلت أجورها إلى 200 جنيه فى اليوم الواحد، نظراً لقلة أعداد العاملين فى هذا النوع من التقليم على وجه التحديد وأن أغلبهم يتمركزون فى محافظة الدقهلية ويحتاجهم أصحاب المزارع على مستوى الجمهورية.

 

واختتم الهلالى حديثه مشددا أن العمالة الزراعية الجيدة فى تناقص مستمر لأن الزراعة نفسها لم تعد تدر ربحا على أصحاب الأراضى ولذلك فإن أغلبهم لم يعد يحتاج للعمالة طوال العام وهو ما دفع عدد كبير منهم إلى ترك المهنة والعمل فى أعمال أخرى لمزيد من الاستقرار.

 

محمد سعد أحد مقاولى الأنفار يقول: أنهم لا يرفعون أجور العمالة طمعا منهم أو رغبة فى المزيد من الأموال دون حق، لكن السر فى رفع الأجور هو أن العامل الزراعى مواطن يعيش فى ظروف حياة ترتفع باستمرار وهو الأخر يريد ما يكفيه لاستمرار حياته وقدرته على الحياة العادية وليست الحياة المرفهة.

 

الفلاحون يطالبون بأسعار توريد تسمح بهامش ربح

 

تضمنت المادة 29 من الدستور المصرى على أن تشترى الدولة من الفلاح المحاصيل الزراعية بما يحقق هامش ربح له، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، إلا أن شكاوى الفلاحين من أسعار الحاصلات الزراعية لم تتوقف على مدار العام الماضى، وذلك على الرغم من قرار الحكومة من رفع سعر توريد عدد من المحاصيل الزراعية دعماً للفلاح حيث تم رفع سعر توريد القمح فى الرابع من نوفمبر الماضى من 420 إلى 450 وحدد 2500 سعر توريد للذرة الصفراء و3 آلاف جنيه لتوريد الأرز و500 جنيه لقصب السكر .

 

 لكن القرار لم يرتق لسقف تطلعات الجميع بما فيهم لجنة الزراعة بالبرلمان، فبحسب رائف تمراز، وكيل لجنة الزراعة بالبرلمان، فإن الأسعار الأخيرة التى أعلنت الحكومة رفعها إليها  لا تساوى ما ينفقه الفلاحون على الأراضى، وهو ما لا يشجعهم على الاستمرار فى حين أن الدولة تبحث عن الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزراعية الهامة.

 

وشدد تمراز على أنه من الضرورى أن يتم رفع أسعار التوريد الخاصة بالقمح إلى 550 للإردب وأن يصل قصب السكر إلى 700 جنيه والذرة إلى 3000 جنيه، مشدداً على أن هذه الاسعار اقل من المستورد، مشيرا إلى أنه سيتقدم بطلب إحاطة لوزيرى الزراعة والتموين من أجل زيادة أسعار التوريد حتى لا يُظلم الفلاح وتهمل أرضه ونحتاج فى وقت لاحق إلى عملة صعبة لاستيراد ما كنا نزرعه وننتجه بإيدى مصرية.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة