أكرم القصاص - علا الشافعي

حسن مجدى

نحن فى زمن "البوست"

السبت، 17 سبتمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى مشهد أيقونى للزعيم عادل إمام والمخرج مروان حامد، سجل فيلم عمارة يعقوبيان اعتراض واضح على الكثير من أحوال البلاد والعباد بعبارة "نحن فى زمن المسخ"، ومرت سنوات تكشف لنا أن المجتمع يرجع إلى الخلف، فالأسوأ من أن نكون فى زمن المسخ أن نصبح فى زمن "البوست".

 

مصر تحولت لدولة الكلمة الأولى فيها لـ"البوست"، لا نحتاج حملة إعلامية شرسة أو حتى حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، يكفى "بوست" واحد فقط على فيس بوك ليحرك الدولة بأكملها بداية من أبسط القضايا الاجتماعية حتى أهم الملفات السياسية.

 

فى قضية تيران وصنافير على سبيل المثال تستيقظ مصر بأكملها لتؤكد أن الجزر تابعة لأرض الوطن، ويردد الجميع نفس المعلومات التى يعود مصدرها لبوست واحد على فيس بوك، وفى اليوم التالى ينفى الجميع أيضا تبعية الجزر لمصر استنادا لبوست آخر يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعى، بالطبع الجميع يتحدث وكأنه قرأ كتبا ويعلم ببواطن الأمور، ويناقشه الآخرون وكأن لديهم نفس القدر من المعلومات، وفى النهاية بالسؤال عن المصدر لن تجد أحدا فعل أكثر من النظر فى هاتفه الذكى وقرأ بعض السموم المنشورة من هنا ومن هناك حول القضية، نفس الأمر ينسحب على أزمة الدولار، وبعدها خطف فتيات الإسكندرية، وأخيرا أزمة لبن الأطفال.

 

مصر تستيقظ بالكامل فى حالة رعب من جرائم الخطف المنظمة للفتيات، الجميع يحكى ويروى كيف تخطف الفتيات، والمصدر بوست واحد يحمل صورة 3 فتيات أتضح فيما بعد أن لكل منهن قصة بعيدة تماما عن الخطف، ثم أزمة لبن الأطفال وصورة نشرت لإعلان يستغيث من تسبب الجيش المصرى فى الأزمة، حول الجميع لخبراء فى الشئون العسكرية، وخبراء فى استيراد وتصدير ألبان الأطفال، وأعتقد كل من شاهد هذا البوست أنه تمكن من اقتحام أصل الأزمة، وحصل على معلومات لم تتكشف لأحد سواه.

 

أيام قليلة تمر قبل أن يكتشف الجميع أن معظم ما تورطوا فى نشره محض معلومات كاذبة دست على صفحاتهم الاجتماعية، ولأن آفة حارتنا النسيان، لا تلبس أن تتكرر أزمة جديدة، أو يعد مثيرى الفتن شائعة جديدة، ليقع نفس المواطنين فى نفس الفخ، وينقلب الرأى العام بأكمله بناء على معلومات كاذبة مدفوعا بسحر اللايك وجذب أنظار الأصدقاء عبر مواقع التواصل، أو بادعاء المعرفة فى اللقاءات الحقيقية.

 

أزمة زمن البوست وإن كان يتصدر فيها مشهد البطولة أخطاء المواطنين والثقافة العامة للمجتمع، تعتبر الحكومة أيضا فاعلا رئيسيا فيها بعدم تقديم المعلومات الحقيقية، وغياب الاهتمام الدقيق بمواقع التواصل الاجتماعى، والتأخر الواضح فى الرصد والرد على تلك الشائعات، فى شائعة خطف الفتيات تأخرت وزارة الداخلية كثيرا فى الرد على تلك الشائعة، وكان حصول الصحفيين على رد وافى منها عن الشائعة ليس بالأمر السهل أو الهين، وبالتالى واصلت الشائعة النمو لأيام قبل أن يأتى الرد، وبالمثل فى أزمة لبن الأطفال، قرابة اليومين من الشائعات مرت قبل أن يخرج علينا مسئولون وزارة الصحة برد واضح عن الأزمة، وقس على ذلك فى كل أزمة.

 

فى زمن البوست إن كنت مواطنا تبحث عن الحقيقة، فلا تفتح قضية قبل أن تفهمها جيدا من مصادرها الحقيقية، وتذاكرها بعمق قبل أن تنصب نفسك خبيرا استراتيجيا فيها، وإن كنت مسئول فيجب أن تعرف أننا فى زمن لم تعد فيه الكثير من المعلومات السرية، وأن كلمات مثل الشفافية وحرية تداول المعلومات لم تعد رفاهية، وفى كل لحظة صمت أو تأخر فى تقديم المعلومة، يقدم غيرك عشرات المعلومات الكاذبة ليجذب الرأى العام فى الاتجاه الذى يخدم مصالحه.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة