أسماء راغب نوار تكتب: كتبى والآى باد

الأربعاء، 25 مايو 2016 12:05 م
أسماء راغب نوار تكتب: كتبى والآى باد آي باد - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت قد كتبت قبل ما يقرب من عامين "أنه ليس أمامى سوى الاعتراف للتكنولوجيا بالانتصار الساحق، فإلى وقت قريب، منذ أقل من عام على ما أذكر، كان إذا أعجبنى كتاب وقد اطلعت عليه فى نسخة إلكترونية وددت من كل قلبى اقتناء نسخة ورقية منه، واليوم باقتنائى جهاز آى باد، أود لو أن مكتبتى الورقية كلها تتحول إلى إلكترونية... يالسطوة التكنولوجيا!".

أعترف أننى ظللت أسيرة هذا الجهاز منذ اشتريته؛ فأصبحت أبحث عن نسخ إلكترونية للكتب التى أثرت فى أو الكتب التى أرغب فى قراءتها، لا نفورًا من القراءة على الصفحات المطبوعة ولكن لأن جهاز الآى باد مناسب لى مع ظروف عملى الذى يمتد لساعات طويلة مع الوقت الذى أستغرقه فى المواصلات ذهابًا وإيابًا وإرهاقى الشديد عند الرجوع إلى المنزل؛ فهو يتيح لى مكتبة متنقلة استجمعت مفرداتها على ذوقى الخاص مما يتيح لى القراءة فى كل وقت، فأنا من أولئك الذين يعتبرون محتويات الكتب أشبه بقطع "المكعبات" التى من شأن قارئها أن يجتهد ليرتبها، وبالتالى يصل إلى وجهة نظره الخاصة، فالعيش مع مكتبة متنقلة هو متعة العيش بالنسبة لى؛ فأربط هذا الجزء من الكتاب بذاك الجزء من كتاب غيره، بذلك الجزء من كتاب ثالث وهكذا، فيتيح لى الآى باد القراءة فى كل وقت: فى المواصلات ... فى فترات الراحة إن اُتيحت فى مكتبى فى العمل لأستغيث برأى كاتب يفسر لى أحوال البشر من حولى فأحتمل الظروف المحيطة.. وبعد رجوعى من العمل واسترخائى على فراشى مع خفوت إضاءة غرفتى التى ينيرها ضوء الآى باد بعدما أطفأت ضوءها المعتاد الذى يزعجنى فى الساعات الأخيرة من يومى يتوافر لى جو من الهدوء، تغشاه السكينة التى أتشوق إليها بعد يوم عمل صاخب.

وبذلك ساعدنى الآى باد فى التخلص من إزعاج ضوء حجرتى اللازم لقراءة كتاب ورقى حتى وإن كان شغفى بمحتوى الكتاب الورقى يطغى على إزعاج الإضاءة، فبعد انتهاء جرعتى من الكتاب تخر قواى على فراشى، وتضعف فأنهض متثاقلة لإطفاء ضوء حجرتى، وبذلك وفر لى الآى باد العديد من الإمكانات التى لولاها لتقلص نشاط القراءة فى حياتى، وقد أغرانى بإمكاناته فى إقناع نفسى بالتنازل عن صفة راسخة فى ذهنى منذ الصغر وهى ما يُعرف بالذاكرة البصرية؛ فكنت عندما أستشهد برأى كاتب أتذكر ما قاله إذا كان ورد فى الصفحة اليمنى أم اليسرى، فى أول الصفحة أم فى وسطها أم فى آخرها، كما أغرانى الآى باد بإمكاناته فى التظليل وكتابة الملحوظات والأفكار ووضع العلامات فخضعت له واتخذته رفيقًا ملازمًا لى فى كل وقت، وفى كل مكان.

وذات ليلة بعد مرور عدة أشهر على صداقة الآى باد وفى الوقت الذى انشغل فيه عقلى بتكوين رأى على طريقة "المكعبات" التى أوردتها آنفًا تذكرت رأيًا لكاتب قد تعرفت إلى أفكاره من نسخة ورقية فأردت أن أتحقق مما قاله بالضبط فدخلت إلى مكتبتى الورقية التى ساعدتنى أمى فى تخصيص مكان لها بـ "تقفيل" بلكونة فى منزلنا بعدما تكاثرت كتبى فى حجرتى التى أشارك فيها أخواتى قبل زواجهن، فقد كنت أُعد من الجائرين على حقوقهن فى الحجرة إذا طُبقت العدالة فى التوزيع، دخلت مكتبتى الورقية لأبحث عن الكتاب الذى أريده فإذا بى أنصرف عن هدفى إلى سماع صوت عتاب كتبى لى بسبب بعدى عنها، اخترق صوت عتابها أذنى فانتبهت لافتقادى لها وافتقاد حبر الكلام على صفحاتها للتواصل مع عينى وافتقاد أوراق الصفحات ملامسة أصابعي، كادت دموعى تذرف من هذا الشعور بلا مبالغة.

كيف لا، وهى كتبى التى اخترتها من دون غيرها؟! كيف لا، وهى كتبى التى ادخرت جُل مصروف جيبى منذ اليوم الأول من التحاقى بالجامعة لأشتريها، وإن تعذرت فى ثمن كتاب بعينه أخبرت أمى لتساعدنى فى شرائه؟! كيف لا، وهى كتبى التى تمثل شموعًا مضيئة لى فى طريقٍ مظلمٍ قد يقدِّر لى الله العبور منه؟! كيف لا، وهى كتبى التى تكسر جمود عقلى إذا تشبث بغير الله؟! كيف لا، وهى كتبى التى أتدرج عليها لأصل إلى الحقيقة وأتعرف إليها؟! كيف لا، وهى كتبى التى تساعدنى فى اكتشاف نفسى والتعرف إليها؟! فعندما يكتشف الإنسان حقيقة نفسه بنفسه، هيهات هيهات أن يضل الطريق، كيف لا، وهى كتبى التى تساعدنى فى التعبير عما أشعر به؟! كيف لا، وهى كتبى التى تصحح فهمى إذا أسأت الفهم؟! كيف لا، وهى كتبى التى أتوكأ عليها فى ضعفى؟! كيف لا، وهى كتبى التى تساعدنى فى اجتياز محنى؟! كيف لا، وهى كتبى التى تساعدنى على رؤية ما وراء ما تراه عيني؟! كيف لا، وهى كتبى التى أعبد بها الله على علم؟!

أدركت بعد هذا الحوار الصامت الذى دار بينى وبين كتبى وجوب التصالح بيننا فوددت تقبيل كل كتاب منها، لكننى أدركت أنها لا تعى هذه اللغة فى التعامل، لكنَّ وسيلة المصالحة التى تسعدها هى التواصل بين عينيَّ، وحبر كلماتها وملامسة أصابعى لورقاتها.

وقد كان... نعم، لقد تصالحت أنا وكتبى الورقية، وإن كلًّفنى هذا الانزعاج بضوء الحجرة اللازم للقراءة فى الساعات الأخيرة من يومى ونهوضى من فراشى متثاقلة بعد تناول جرعتى منها لإطفاء مصباح الحجرة.

وبعدما تم التصالح نما إلى علمى أن ثمة مُخترَعًا فى السوق يُعرف بكشاف القراءة "Book light" فعزز من المصالحة فالتقيت أحبائى من جديد بكل لهفة وشوق مع الرجوع إلى الكتب الإلكترونية متى كانت الحاجة.

وحتى لا أطيل عليك سيدى القارئ لا بد أن أوافيك بخلاصة التجربة التى تتلخص فى أننى قد اكتسبت مرونة فى عقلى تتيح لى الانتفاع والاستمتاع بالكتب الإلكترونية جنبًا إلى جنب مع الكتب الورقية، وكله فى صالح الميزانية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة