محمد أبو الفضل يكتب: فتوات وحرافيش جدد

السبت، 04 أبريل 2015 04:00 م
محمد أبو الفضل يكتب: فتوات وحرافيش جدد عاصفة الحزم - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صور لنا الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ فى ملحمة الحرافيش "التوت والنبوت"، كيف كان يستمد فتوة الحارة قوته من استسلام وضعف أهل الحارة واستكانتهم، حتى يزداد غرورا ويمضى فى فرض الإتاوات عليهم وزيادتها من آن لآخر ، والتحكم فى تفاصيل حياتهم اليومية، رغم أن أهل الحارة غالبا ليسوا بضعفاء، وإنما هم طيبون، بطبعهم وتمنعهم طبيعتهم من مواجهة شرور الناس بالشر، حتى تأتيهم اللحظة السانحة والتى يضع فيها أهل الحارة حدا للطيبة، فيبرز من بينهم فتى شجاع يتصدى للظلم وغرور الفتوة، ويعيد للحارة أمنها واستقرارها وطمأنينتها، ويحفظ لأهلها مصالحهم التى كانت مهددة من قبل الفتوة "نضورجيته" الذين يستخدمهم فى ترويع الناس، وبث الخوف والفزع بينهم.

ما يحدث فى روايات محفوظ بالحارة المصرية، يحدث أيضاً فى منطقتنا العربية، حين شعرت إيران ومعها دولة قطر بالغرور لسبب أو لآخر، مرتبطا بأحلام واهية بالهيمنة والتوسع وتنفيذ أجندات خارجية، ومحاولة العبث بأمن دول المنطقة العربية، فتسعى لمد نفوذها إلى خارج حدودها، معتقدة أن سكوت أى من الدول المجاورة وصبرهم ناتج عن هزال وضعف، أو عدم مقدرتها على مواجهة ما تقوم به من عبث، وبدون وعى أن هناك لحظة ينفد فيها مخزون الصبر لدى تلك الدول المضارة من العبث، ويتحول ما كان يعتقد أنه استسلام إلى عواصف تكتسح أولئك الصبية الذين تستخدمهم لتنفيذ أغراضها، وفرض أجندتها لتغيير خرائط المنطقة، وزعزعة أمن الدول العربية، والإضرار بمصالح الجيران.

الفتوة فى المنطقة العربية وصل إلى أقصى درجات الغرور، ويظن أن حلمه أصبح على بعد خطوات من التحقق، وأن مشروعه ومراميه التوسعيه اقترب من الاكتمال، فأطلق صبيته فى المنطقة ليعبثوا بأمن البلاد، ويبثوا فيها الفوضى، متحدين الشرعية، فى كثير من الأونة بل مستغلينها كى تصبح غطاء لما يقومون به من ممارسات غير شرعية، مرامهم تحقيق أهداف وأجندات الذين يحركونهم من الخارج، ويمدونهم بكل مقومات الاستقواء على الدولة الشرعية، وتوجيه دفة الأمور لصالحهم، ليكون المستفيد الأكبر، مما يقومون به هو من يحرك هؤلاء الأذناب.

من هنا جاءت أهمية عاصفة الحزم ضد الحوثى فى اليمن، بعد أن وصلت الأحداث والاضطرابات اليمنية حدا غير معقول ولا مقبول، وأصبح وللأسف الداعم الرئيسى لها الرئيس المخلوع على عبد الله صالح، الذى تدفعه رغبة ااانتقام من الشعب الذى خلعه، والعودة إلى الحكم من خلال ابنه، حتى لو كان عن طريق التحالف مع أعداء الأمس الذين لهم أجندتهم الخاصة بعودة الإمبراطورية، التى تتباهى الآن بسيطرتها على أربع عواصم عربية من بينها صنعاء.

عاصفة الحزم بهدفها المحصور فى وضع حد للتغول الحوثى، تمثل نهاية نفاذ صبر الدول العربية أجمع على الغرور الذى جاوز المدى، لكنها تمثل، أيضا، نهاية لمرحلة الصمت العربى تجاه ما يجرى من أحداث بالمنطقة العربية، تحركها أصابع خارجية، مستفيدة من تحريكها تلك الدول ذات الأطماع والمصالح متقاطعة مع مصالح الأمة العربية، التى أضحت تمزقها الحروب الداخلية أكثر مما تهددها القوى الخارجية والأمبريالية، التى طالما ألقينا عليها تبعة كل ما يحدث لنا من كثير من المصائب والكوارث، وإن كانت أيدى هذه القوى غير نظيفة تماما مما يجرى اليوم وما سيجرى غدا، لأن هذه الأيدى ليست بالخارجة من أنهار الطهارة والعفة.

لقد كانت كل العواصف الزلازل والبراكين التى دمرت المنطقة، أو انطلقت منها، منذ احتلال الكويت من قبل صدام، والذى كان مدفوعا هو الآخر بحلم هيمنته وتوسعه على حساب الجاره الكويت، كانت كل هذه العواصف والزلازل والبراكين أجنبية غربية، بدءا من عاصفة الصحراء وما تلاها من عواصف لا تعد ولا تحصى.

إلا عاصفة الحزم التى جاءت بقرار عربى متين، وبتخطيط وتنفيذ عربى خالص، من دول عربية انتفضت لعروبتها، فهل تكون هذه العاصفة نهاية لعصر الظواهر الطبيعية المدمرة التى طالما عايرنا بها المتزملون برداء القومية العربية، وبداية عربية خالصة، تعيد للأمة قوتها وهيبتها التى ضاعت وأصبحت هشيما تذروه الرياح، الأمر الذى أدى إلى ظهور فتوات وجدت فى غياب الإرادة العربية مناخا مناسبا للنمو، وما كان لها أن تسعى لإعادة إمبراطوريات لاتتناسب والعصر الحاضر، ولا المستقبل الذى نراه أكثر إشراقا، بعودة القرار العربى، والإرادة العربية؟

دائما كانت حجة الذين عارضوا كل الخطوة، التى قامت بها الدول العربية، وبخاصة الخليجية للدفاع عن نفسها، هى أنها قد تمت بقرار وأيد أجنبية، لتحقيق مساع أجنبية، وهى مزاعم واهية وفيها الكثير من المغالطة، فهل سيكون اعتراف الأمريكيين بأن الدول العربية لم تنسق هذه المرة معهم عسكريا، ولم تبلغهم بالنية فى شن ضربات عسكرية متلاحقة ضد الحوثيين إلا فى اللحظات الأخيرة قبل التنفيذ، صك براءة من الخيانة، والتى طالما وصمها بها المتأسلمون، وإن كانت هذه الدول غير محتاجة إلى هذا الصك، ولا يعنى لها شيئا؟

الطقس العربى عاصف من ناحية العمليات التى يقوم بها التحالف العربى، لكنه ربيعى صحو من ناحية إعادة الأمل فى تملك الدول العربية لزمام الأمور بيدها، والانطلاق نحو المستقبل العربى الجديد، والذى نأمل أن تستعيد فيه الأمة العربية قرارها وإرادتها، ولا تترك فرصة لظهور فتوات وحرافيش جدد.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة