يحيى حسين عبد الهادى يكتب فى يوم الشهيد: مصر تاريخ أزلى من المعارك المقدسة وجيشنا أقدم مؤسسة وطنية فى التاريخ..وطن أنجب عبد المنعم رياض ومحمد كرّيم وجواد حسنى ومارمينا وإبراهيم الرفاعى هو وطن جميل حقا

الإثنين، 09 مارس 2015 04:14 م
يحيى حسين عبد الهادى يكتب فى يوم الشهيد: مصر تاريخ أزلى من المعارك المقدسة وجيشنا أقدم مؤسسة وطنية فى التاريخ..وطن أنجب عبد المنعم رياض ومحمد كرّيم وجواد حسنى ومارمينا وإبراهيم الرفاعى هو وطن جميل حقا يحيى حسين عبد الهادى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم يوم الشهيد المصرى.. كل عامٍ وشهداؤنا أحياءٌ عند ربهم يُرزقون.. كل عامٍ ومصر لها البقاء والحياة وشجرتها الوارفة تُروى وتنمو وتعيش بدماء شهدائها.. يوم الشهيد المصرى يوافق ذكرى استشهاد قائدٍ مصرىٍ عظيمٍ وكبير الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان الجيش المصرى (الذى يتطاول عليه الخونة والصغار الآن).. استُشهد فى الصف الأول حقيقةً لا مجازاً.. على حافة قناة السويس.. لكن هل بدأ سِجِل الشهادة فى مصر مع استشهاد عبد المنعم رياض ؟ الإجابة لا.. فالاستشهاد جزءٌ من نسيج الحياة فى مصر منذ نشأتها منذ آلاف السنين، لدرجة الاعتياد حتى أن أحداً لم يفكر فى تخصيص يومٍ للاحتفاء بشهداء الوطن وما أكثرهم قبل أن تَسُنّ الدولة الناصرية هذه السُنّة الحسنة سنة 1969.

ومصرُ دهرٌ كاملٌ وتاريخٌ أزلىٌ من المعارك المقدسة


ومصرُ دهرٌ كاملٌ وتاريخٌ أزلىٌ من المعارك المقدسة (وكل معارك الوطن مقدسة).. وأبطالها لهم نفس القدسية، فهم الذين حفظوا لهذا البلد ديمومَته وكرامته وشرفه.. يستوى فى ذلك من نعلمهم ومن لا نعلمهم.. وعندما نتذكر شهداءنا فإننا نُذكّر أنفسنا بأننا ننتمى لبلدٍ رائعٍ.. فالبلد الذى أنجب محمد عبيد ومحمد كرّيم وجواد حسنى ومار مينا وإبراهيم الرفاعى وغيرهم ممن نعلمهم من النجوم التى ترّصع تاريخنا، وأنجب أضعافهم من الشهداء الذين لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم.. وطنٌ أنجب كل هؤلاء هو وطنٌ جميلٌ حقاً.. أجمل كثيراً من الأتربة القبيحة التى تعلو وجهه أحياناً فى غفلةٍ من الزمن.. ونحن لا نُكرّم شهداءنا بقدر ما نأخذ منهم اليقين بأن وطناً انتسب له هؤلاء، له النصر والشموخ وإن طالت كبوته قليلاً.. أو كما قال صلاح عبد الصبور عقب نكسة 67 مباشرةً (إن هذه اللحظة المريرة هى مجرد دقيقة من أيام تاريخ مصر الأزلى.. دقيقة من الألم العميق تستأنف مصرُ بعدها ابتسامتها الخالدة).

الجيش المصرى هو أقدم مؤسسةٍ وطنيةٍ فى التاريخ


لا غرابة فى أن يكون أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر الشهداء هو الجيش.. فالجيش المصرى هو أقدم مؤسسةٍ وطنيةٍ فى التاريخ.. وهو ليس كمثله جيشٌ فعلاً.. إذ أنه ليس مؤسسةً منفصلةً عن مصر.. وإنما هو مصر.. ينصهر فيه العاملون والمتطوعون والمجندون.. الفلاحون والعمال.. المثقفون والبسطاء.. فيتحولون إلى سبيكةٍ واحدةٍ متماسكةٍ يفعلون الأعاجيب ويقدمون أرواحهم رخيصةً فى ساعة الخطر.. فلا غرابة أن تستأثر هذه المؤسسة الوطنية بالنصيب الأكبر من شهداء مصر.. لأنها مصر.. أنا ذو خلفيةٍ عسكريةٍ وافتخر بانتسابى لهذا الجيش الذى تعلمنا فيه أن كُلاً منّا مشروع شهيدٍ (بحق).. سواء فى وقت الحرب أو السلم.. فى التدريب أو الميدان.. فى العلن أو السر.. وأن الاستشهاد قيمةٌ عليا وشرفٌ لا يجوز المتاجرة به.. وهو نفس المعنى الذى كان ينتقل لأُسر الشهداء دون تلقين.. وقد عايش كثيرون منا مشهداً متكرراً يكاد يتطابق.. تتلقى أسرة الشهيد النبأ الفاجع بحزنٍ نبيلٍ يجمع بين لوعة الفراق والفخر بالشهيد.. وأحياناً يُحرمون حتى من لقب (شهيد) فى النعى فى الصحف لأسبابٍ تتعلق بسرية المهمة فلا يتململون.. لا يطلبون تعويضاَ (وإن أُعطوا رضوا) ثم يمضون فى حياتهم يصارعونها وتصارعهم ككل المصريين، مكتفين بصورةٍ مكللةٍ بالسواد معلقةٍ على الحائط، يعتز بها الأبناء حينما يكبرون.

معنى الشهادة ابتُذل من البعض عقب ثورة يناير


وللشهادة فى الجيش معنىً عظيمٌ لم يُبتذل كما ابتُذل من البعض منذ ثورة يناير (التى افخر بالانتماء إليها) عندما صارت مجالاً للمزايدة والاسترزاق من البعض بحيث زاحم فيها الشهداءَ الحقيقيين كثيرٌ من لصوص المولات والبيوت ومهاجمى الأقسام. وكان من المخجل أن يبقى تعويض شهداء معاركنا العسكرية أقل من خمسة عشر ألف جنيه بينما وصل مزاد تعويضات ضحايا وقتلى حوادث استاد بورسعيد وماسبيرو ومحاولات اقتحام منشآت الدولة وحرق المجمع العلمى وغيرها إلى مائة ألف جنيه للضحية مع منحه لقب شهيد (!).

أكثرنا يجهل عصراً كاملاً من البطولة اسمه عصرَ الشهداء


لكن الشهداء فى تاريخنا يتجاوزون بكثيرٍ شهداء معارك العصر الحديث.. فأكثرُنا يجهل عصراً كاملاً من البطولة والجهاد سقط فيه من أجدادنا المصريين حوالى ثمانمائة ألف شهيد.. وسُمىّ عصرَ الشهداء.. هم شهداء المسيحية طبعاً بلا شكٍ.. ولكنهم شهداء مصر أيضاً.. لأنهم مصريون فى الأساس.. مكانهم الطبيعى فى كُتب التربية الوطنية لا فى كُتب الدين المسيحى.. قدّم أجدادنا مئات الآلاف من الشهداء فى أروع نموذجٍ للمقاومة السلمية فى التاريخ (لا يُقارن به نموذج غاندى) دفاعاً عن عقيدتهم وهوّيتهم واستقلالهم فى وجه السفاحين الرومان.. مئات الآلاف من الشهداء فى مذابح جماعية أو فردية.. وقد تميّزت تلك المقاومة باشتراك كافة الفئات.. نبلاء وفقراء.. ضباط وجنود.. كهول وشباب.. صعايدة وبحاروة.. رجال ونساء.. مئات الآلاف من القصص التى ينبغى تخليدها.. واكتفى هنا بنموذج الأم الشهيدة رفقة من قوص فى صعيد مصر.. جاهرت بإيمانها هى وأبناؤها الخمسة (أغاثون وبطرس ويوحنا وآمون وآمونا)، فقام القائد ديونيسيوس بتعذيبهم بادئاً بالأم رفقة التى تحملت أهوال التعذيب وشجعّت أبناءها على الثبات.. ثم أُرسلوا إلى أرمانيوس والى الإسكندرية ليقهرهم على الكفر.. وهناك قام بتعذيبهم ثم أمر بقطع رؤسهم وإلقاء أجسادهم فى البحر (يبدو أن لداعش جذوراً رومانية).. لكن ثرياً مصرياً أعطى الجنود بعض المال وأخذ منهم أجساد الأم والأبناء وحفظها عنده حتى انتهت سنوات الاضطهاد.. ولا زالت أجساد هذه الأسرة الشهيدة فى الكنيسة التى بُنيت على اسمهم ببلدة سنباط (تتبع مركز زفتى حالياً).

عندما هاجم أسطول نابليون الإسكندرية، احتشد له الأهالى بالحجارة


يمتلئ تاريخنا بأسماء كثيرين من شهدائنا الذين نعلمهم ولكن هناك أضعافهم من الذين لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم (كما قال عمر رضى الله عنه).. وقد ذكرتُ نموذجاً من هؤلاء فى مقالٍ سابقٍ وأستأذن فى استعادته لأننى أقف أمامه بإجلالٍ كلما تذكرتُه.. إذ عندما هاجم أسطول نابليون الإسكندرية، احتشد الأهالى بما لديهم من سلاحٍ لا يُقارَن من حيث الكم ولا الكيف بسلاح الجيش الفرنسى.. احتشدوا على أسوار المدينة المتهالكة مشاةً ورُكباناً، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، ليس معهم إلا بنادق ورماحاً وحجارة، إلى أن دكّت مدافع نابليون الأسوار فظلوا يقاومون من البيوت.. وإليكم شهادة بوريين سكرتير نابليون الخاص فى مذكراته (دخل نابليون المدينة من حارةٍ لا تكاد من ضيقها تَسع اثنين يسيران جنباً إلى جنب.. وكنتُ أُرافقه فى سيره.. فأوقفتنا طلقات رصاصٍ صَوّبها علينا رجلٌ وامرأةٌ من إحدى النوافذ.. واستمرّا يطلقان الرصاص.. فتقدّم جنود الحرس وهاجموا المنزل برصاص بنادقهم وقتلوا الرجل والمرأة).. مصرىٌ ومصريةٌ استُشهدا دفاعاً عن هذا الوطن ولم يعبأ التاريخ بذكر اسميهما.. لا الجبرتى ولا غيره.. وغيرهما كثيرون من الذين لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم .

رَحِمَ اللهُ كل ساداتنا من الشهداء الذين ماتوا لنعيش.. وعانت أسرُهم بعدهم لِتَنْعَمَ أُسرُنا.. ورَضِىَ الله عنهم وأرضاهم.. وجزاهم عن مصر خير الجزاء .








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة