"تفكك أزرار الوحدة" لـ"سارة علام". . أن تكسب حربا بالقصيدة

الأحد، 01 فبراير 2015 02:10 م
"تفكك أزرار الوحدة" لـ"سارة علام". . أن تكسب حربا بالقصيدة غلاف ديوان "تفكك أزرار الوحدة"
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تقول سارة علام "تتحسن حالتى بالشعر" وحالها فى هذه الفترة مريض وإحساسها بمرضها غريب تراه ضعفا أحيانا وتراه صحة وقوة فى أوقات كثيرة، إنه "الوحدة"، هى تعانى منها أو على الأصح تشعر بذاتها وحيدة فى عالم مختلف، وكعادة الشعراء لا تحكم على الشىء حكم "قيمة" إنما تخضعه لنظرة تأمل، تسأله وتجيب هى بدلا منه، تقربه وتبعده، تكتب فيه قصيدة وصل وقصيدة فراق.

منذ تصدير الديوان بجملة ألبير كاراكو "يموت كل منا وحيدا تماما" وأنت تعرف أنك ستصبح فى مواجهة الطريق الطويل الممتد إلى أبد القصيدة والوحدة أنيسك الدائم فى هذه الرحلة، لكن ما أن تبدأ الرحلة حتى يأخذ الشعر بيدك وتسيران معا إلى نهاية الحكاية، كل ذلك فى ديوان "تفكك أزرار الوحدة" الصادر عن دار العين، للشاعرة سارة علام وهو ديوانها الثانى بعد "دون أثر لقبلة"، فالعلاقة بين الشاعرة والوحدة هى ما يملأ الروح بالتناقضات وبالتالى بالحياة، فهى وحيدة مثل كثير من النساء، تأتى لها الوحدة فى المرقص، يرقصان حد التوحد، قبل أن تُفاجأ بأن لا شىء يجمع بينهما فى الحقيقة.

إذن الشعر والوحدة هما ثنائى التجربة، فهما من يقودان الديوان، الشعر بتنوعاته المتعلقة بالكتابة والقصيدة والديوان، والوحدة التى تفكك أزرارها كل تأخذ جلستها الطويلة المطمئنة لا يؤرقها شىء ولا ينغص حالها أحد، والديوان يعتمد التوازن بين الجانبين، فقد منح التصدير لـ"الوحدة" وأعطى الإهداء لـ"الشعر"، فـ"لولا الكتابة ما كنت حيا، الشعر وحده، يستحق الإهداء" ربما من البداية علينا أن نحدد العلاقة بين "الشاعرة والوحدة والشعر" كى نعرف أين نقف، فهنا صوت "أنثوى" واضح، وليس المقصود هنا الكتابة النسوية، لكن المقصود "الأنثى" وعلاقتها بالأشياء، الوحدة بالنسبة للشاعرة "ضرة" فى الحب، والشعر "أب" بكل الحنان الذى يمثله، لذا يبدأ الديوان بقصيدة عن الشعر، فى محاولة لإثبات صلة رحم مع القصيدة، "تلك قصيدة. . لا أنا" وعليه فالشاعرة هى القصيدة ابنة الشعر، ومن هنا نعرف أن المعركة ستستعر مبكرا بين الشعر والوحدة، وعلى طريقة العرب قديما، تبدأ بالفخر، ثم تبدأ بعد ذلك كلمات "الوحدة" تتسلل إلى داخل القصائد بهدوء أفعى لا ننتبه إليها فى البداية، ففى القصيدة الثانية تقول "من بائع الورد الوحيد الذى أحب" والاختيارات الوحيدة هى "وحدة" مختبئة تحت ستار "ما نفضله" تتكاثر هذه اللفظة حتى نصل فى الجزء الأخير من الديوان لحد السيطرة، حالها مثل الرمال المتحركة تسرق أعمارنا شيئا فشيئا.

وهنا نكون أمام حل وحيد هو المقاومة، لقد أدركت سارة علام أنه لما كان الحزن يهزمه الفرح فالوحدة يهزمها الشعر، فتصنع الذات الشاعرة صخبا بالشعر حتى تزعج الوحدة المطمئنة، تستخدم كلمات كثيرة تدل على هذا الصخب منها الموسيقى والرقص والغناء وأن تقطع تزكرتى مترو وتقص الحكايات وأن تردد "أنا أجمل" أمام المرآة، وتعترف بأنها تكتب نصها لتنتقم.. "الوحدة" أيضا ترتدى ثياب الحرب وتبدلها مثل عارضة أزياء وتستعين بالغرور والمراوغة وإحساس الخيبة.

من طرق المقاومة أيضا، الاحتفاظ بأخلاق الحرب، وذلك بأن تحترم العدو، فتدافع سارة علام عن الوحدة، ليس من باب الحب، ولكم من باب استراحة المحارب، تفكر لماذا أنا وهى فى شجار دائم فللوحدة ما للحب من ميزات وقدرة على الحياة كل منهما يعيش على ما يسلبه من الآخر "الوحدة ماكرة، والحب أخضر، والقصيدة تحفظ طريق انتصارها".

وهنا علينا أن نؤكد أن صراع سارة علام مع "الوحدة" أمر لا يخصها وحدها، فـ"الوحدة" ليس ما تشعر هى به فقط، إنها القبح الذى يتمدد فى العالم تأكلنا ثم تبدأ فى التهام العالم، خاصة الآخر الذى نحب، لذا أحيانا يشتد الصدام بينهما مثل حبيبتين لرجل واحد تشحذ كل منهما أسلحتها فى مواجهة الأخرى، الذات الشاعرة تشهر قصائدها، ومن ينتصر هو من يجيد معرفة ساحة القتال، ومن ينوع أسلحته، وهذا لا يمنع أن تستخدم "الأنثى" بعض صفاتها فى إدارة المعركة فتظهر بعض الوداعة كى تأخذ ما تستطيع بلطف، وأن تعتمد الذات الشاعرة على تشويه صورة "الوحدة" فهى "بشوكها الكثيف، وجسدها الملبد بالإبر، كوشم قبيح" لكنها أيضا تنصفها أحيانا قائلة "سمعت أنها مثيرة، جسدها الرشيق، يضرب عظامك كل برد" وفى النهاية فى لحظات التأمل لا واحدة منهما تخسر المعركة فـ"الوحدة" تكسب معاركها دائما، واعتدت ألا أخسرها".

ديوان "تفكك أزرار الوحدة" تجربة أكثر نضجا لسارة علام، تفتح باب الخيال على مصراعيه، وتضع خيطا رقيقا يربط بين القصائد، خيطا من الشعر، كما أن الصراع الموجود داخل الكتابة صنع نوعا من الدراما التى تفضلها قصيدة النثر، وتظل قصيدة "طحالب صغيرة" المحتفظة دائما بقلقها وتوترها وشعريتها الممزوجة بالسيل والخوف هى "الأروع".



سارة علام "تفك أزرار الوحدة" عن دار العين بمعرض الكتاب










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة