أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد أبو حامد

خواطر حول تجديد الخطاب الدينى «16»

الثلاثاء، 02 سبتمبر 2014 11:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن صعوبة قبول بعض الأحاديث النبوية لم يكن موقف آحاد الناس فى عصر بعينه، بل هو موقف كثيرين ممن عبّروا عن ذلك قديما وحديثا، ونحن هنا لا نناقش مواقف غير المؤمنين، بل نناقش مواقف أناس يؤمنون بالقرآن الكريم، وبعضهم قد يحمل من الغيرة للدين ما لا يتوافر لكثيرين ممن لا يشعرون بصعوبة قبول أى حديث نبوى، فالحقيقة الكبرى التى يجب أن نعترف بها هى: أن فهم السنة يعد من بين أضخم إشكاليات الفكر الإسلامى، وهذا الاعتراف هو وحده القادر على أن يضعنا على الطريق الصحيحة التى تمكنا من الوصول إلى منهجية معرفية جديدة تسمح بحل إشكالية فهم السنة بصورة حاسمة.
إن الإشكاليات التى يثيرها موضوع فهم السُنة النبوية تنبع من أسباب كثيرة إلا أن أهم هذه الأسباب هو: المساواة بين الخطاب القرآنى وبين مجمل الخطاب النبوى، وذلك من حيث العمومية وتجاوز حدود الزمان والمكان، على الرغم من أن الفوارق بينهما متعددة وظاهرة وواضحة لكل متدبر، ولنذكر بعض هذه الفوارق، خاصة تلك المرتبطة بالحفظ والتوثيق:
فالقرآن الكريم يتمتع بأعلى درجات الموثوقية التى تحقق له يقين ثبوت لا يتطرق إليه ظن أو شك، أما بالنسبة للأحاديث النبوية فإن الصورة تبدو مختلفة، ففى عهد الرسول ومنذ اللحظة الأولى لنزول القرآن كان يوجد كَتَبَه للقرآن الكريم منهم على بن أبى طالب وعثمان بن عفان وأُبى بن كعب وزيد بن ثابت فالقرآن يكتب ويوثق ويحفظ منذ عهد الرسول، أما بالنسبة للأحاديث النبوية فنهى الرسول عن كتابتها، وأمر بمحو ما كتب منها إلا فى مناسبات خاصة مثل حجة الوداع، وهنا لابد أن ننتبه إلى أن هذا النهى لا ينسحب على السنة العملية أى ما كان يفعله النبى أمام الصحابة وهذه نقلت أيضا عملية من جيل إلى جيل، وذلك باعتبار أن توثيقها يتحقق عن طريق التطبيق العملى لا الكتابة، ومن ثم كان التأكيد على ذلك التطبيق كافيا لتوثيقها، وهو ما أشار إليه الرسول بقوله: «خذوا عنى مناسككم»، وقوله: «صلوا كما رأيتمونى أصلى».
فالحقيقة هى أن الاهتمام بجمع الأحاديث لم يبدأ إلا فى أواخر القرن الأول الهجرى، وفى القرن الثانى تنامت حركة تدوين الأحاديث ثم ظهرت فى القرن الثالث أكبر وأدق وأوسع حركة لجمع الأحاديث وتنقيحها وتصنيفها وتدوينها. وحين ننظر إلى تاريخ ظهور كتب الحديث الستة الأكثر موثوقية وقبولا، وهى: صحيح البخارى وصحيح مسلم وسنن أبوداود وسنن الترمذى وسنن ابن ماجة وسنن النسائى، فسنجد أنها لم تظهر إلا فى القرن الثالث الهجرى، بل لم تتكامل إلا فى النصف الثانى من ذلك القرن. فالبخارى توفى فى عام 256 هـ، ومسلم فى عام 261 هـ، وأبوداود فى عام 275 هـ، والترمذى فى عام 295 هـ، وابن ماجة فى عام 273 هـ، والنسائى فى عام 303 هـ أى أن معظم فترة القرون المفضلة كانت فترة تباين هائل بين القرآن الكريم والأحاديث النبوية، سواء من حيث الاكتمال والموثوقية أم من حيث الانتشار والشيوع أم من حيث التدوين والحفظ.
كذلك يسر الله القرآن للذكر والحفظ، أما الأحاديث النبوية فبُذلت عبر القرون جهود مضنية لجمعها وتنقيتها، ويكاد يكون من المستحيل وجود شخص يحفظ كل الأحاديث الصحيحة التى نقلت عن رسول الله، بل إنه من النادر وجود عالِمين من علماء الإسلام يتطابق موقفهما حول تلك الأحاديث أو حول الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة بما فى ذلك الأئمة الأربعة.
هذا ومنذ نزول آخر آية قرآنية ظل القرآن هو ذاته، وكان الصحابة يقرأون القرآن ذاته الذى كان يقرأه الفقهاء وأئمة المذاهب، وهو القرآن ذاته الذى يقرأه كل مسلم فى عصرنا الحاضر سواء كان يعيش فى شرق الأرض أم غربها. أما الأحاديث النبوية فلم يوجد كتاب حديث واحد خلال عصر الصحابة، وبالتالى فإن معلومات كل صحابى عن الأحاديث كانت مختلفة عن الآخر، خاصة فى ظل غلبة أحاديث الآحاد وهى ما لم توجد فيه شروط المتواتر سواء أكان الراوى واحدا أو أكثر، ومع تواضع وقلة وسائل الاتصال والنشر.
وقد تطور الأمر فيما يخص السنة النبوية بصورة تدريجية وبطيئة على يد رجال الحديث وبعد شيوع وظهور وسائل الطباعة والنشر والاتصال الحديثة أصبح لدى بعض جماعات أهل السُنة شبه توافق على الأحاديث المقبولة لديهم، وأصبح لدى بعض جماعات الشيعة شبه توافق على أحاديث أخرى، ولننظر فى ضوء ذلك إلى الاختلاف الهائل بين حجم الوحى الذى كان يعرفه أى صحابى والحجم الذى يعرفه أى مسلم معاصر فحجم الوحى الذى كان يعرفه الصحابى: يتمثل فى القرآن الكريم والسُنة العملية والأحاديث المعدودة التى سمعها أو سمع عنها، التى كانت تختلف من صحابى إلى آخر، خصوصا أن معظمها أحاديث آحاد لم يؤمروا بإبلاغها أو التعبد بتلاوتها، أما المسلم المعاصر فحجم الوحى الذى أصبح يعرفه: يتمثل فى القرآن الكريم والسُنة العملية والعدد الهائل من الأحاديث التى جمعت ونقّحت وظلت تتغير عبر القرون إلى أن طبعت بكثافة ونشرت فى العصر الحديث.
هذا بالإضافة إلى تعهد الله بحفظ القرآن الكريم قال تعالى فى سورة الحجر آية 9: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، وتوافرت كل العوامل الكفيلة بجعله فى متناول جميع الناس، وكل الشروط اللازمة لضمان استمرار وضوحه وموثوقيته، أما بالنسبة للأحاديث النبوية فليس هناك تعهد بحفظها والقول بأن لفظ الذكر فى الآية أعلاه يشمل السُنة النبوية مرفوض ومردود عليه، كما أن درجات العلم بها ومستويات موثوقيتها كانت تختلف وتتغير باستمرار حتى فى إطار المذهب الواحد والمدرسة الفكرية الواحدة، والثابت أن عموم الصحابة امتنعوا عن كتابة الحديث بعد أن نهاهم الرسول عن ذلك، وأمرهم بمحو ما كتب منه، كما أن بعض الصحابة امتنعوا حتى عن الرواية أو قللوا منها، ويؤثر عن عمر أنه واجه بعض رواة الأحاديث ونهاهم عن إشاعتها.
وإننا أيضا مأمورون بقراءة القرآن والتعبد بتلاوته وإبلاغه إلى كل الناس، وهذه الأمور مفقودة فى الأحاديث النبوية.
والنتيجة المنطقية التى يقود إليها تأمل هذه الفوارق هى أن القرآن الكريم يحمل خطابا عاما لجميع البشر إلى قيام الساعة، وأنه من أجل ذلك كتب وحفظ وأمر المسلمون بقرآته والتعبد بتلاوته، أما الأحاديث النبوية فى مجملها فهى لا تحمل خطابا عاما لجميع البشر إلى قيام الساعة، ولم يكن إيصالها إليهم مقصودا ومستهدفا، ومن أجل ذلك اتخذ معظمها شكل أحاديث آحاد، وتم النهى عن كتابتها، ولم يصدر الأمر بإبلاغها أو ترديدها أو التعبد بتلاوتها، والإيمان بهذه النتيجة هو المدخل الرئيسى لمعالجة إشكاليات فهم السنة.
وأحب أن أؤكد أن القصد من إبراز هذا الفارق ليس التشكيك فى الأحاديث النبوية الصحيحة أو القول بأنها ليست من الوحى فالله عز وجل حسم هذا الأمر بقوله فى سورة النجم آية 3 و4: «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى»، وإنما المراد بداية: هو عدم التسوية بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وثانيا: التأكيد على أن هناك أحاديث توجد فى كتب السُنة ولا يصح نسبتها لرسول الله خصوصا على صعيد أحاديث الترغيب والترهيب التى تم التساهل فى قبولها وتنقيتها بحجة الحرص على استقامة الناس وصلاحهم وهذا خطأ كبير بل هو كذب على رسول الله القائل فيما رواه عنه البخارى ومسلم وغيرهما: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وأخيرا: إذا كانت الأحاديث النبوية فى مجملها ليست عامة الخطاب ولا متجاوزة لحدود الزمان والمكان بصورة مطلقة، فما هى منهجية التعامل معها؟ هذا ما سوف نناقشه المقال القادم إن شاء الله.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة