"يقرأون الآن"..إبراهيم فرغلى يتعرف على فن صناعة الكراهية لـلهندى "آمارتيا صن"..ويوضح "الهوية والعنف" يكشف كيفية تقسيم العالم لطوائف دينية لا عالم متعدد الهويات..ويتمنى تبسيطه وإدخاله ضمن مناهج التعليم

السبت، 16 أغسطس 2014 08:46 م
"يقرأون الآن"..إبراهيم فرغلى يتعرف على فن صناعة الكراهية لـلهندى "آمارتيا صن"..ويوضح "الهوية والعنف" يكشف كيفية تقسيم العالم لطوائف دينية لا عالم متعدد الهويات..ويتمنى تبسيطه وإدخاله ضمن مناهج التعليم إبراهيم فرغلى يقرأ كتاب الهوية والعنف
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مؤخرًا، أعاد الكاتب إبراهيم فرغلى، قراءة كتاب "الهوية والعنف" للفيلسوف والاقتصادى الهندى آمارتيا صن، وهو كتاب على قدر كبير من الأهمية – كما يقول – مؤكدًا أنه "لو كان الأمر بيدى لبحثت عن وسيلة لتبسيطه وإدخاله فى مناهج الدراسة المدرسية".

وعن هذا الكتاب الذى ترجمته سحر توفيق، وصدر عن عالم المعرفة منذ فترة، يقول عنه إبراهيم فرغلى، لـ"اليوم السابع" إنه فى تقديرى كتاب اللحظة الراهنة بامتياز، وفكرته الرئيسية كانت بمثابة التفاتة مهمة وصرخة تحذير للعالم من عواقب تضييق حدود البشر لهوياتهم وتصغيرها للحد الذى يجعل من هذه الهوية أداة للاقتتال مع الآخر ونفيه وتقديس مبدأ العنف دفاعا عن وهم الهوية الوحيدة.

ويرصد الكتاب كيف يتم تصغير شأن وحجم البشر حين يتم وضعهم داخل صندوق محدود لهوية واحدة، هى غالبا هوية الدين أو الطائفة، على حساب الكثير من المكونات الأخرى للهوية التى يتم وأدها لصالح "الوهم الطائفي" أو المذهبى. فيتحولون إلى قطيع عنصرى يكتشف هويته القتالية بتحريض من النشطاء الطائفيين.

ويوضح "فرغلى" أن هذا الاقتتال الذى كان سببًا لحروب دينية طويلة فى العصور الوسطى يعود اليوم فى أشكال أخرى عديدة تمثلها جماعات طائفية عنصرية مثل الصهيونية، والجماعات الإسلامية المتطرفة مثل القاعدة وجماعات الجهاد (القتال) الإسلامى التى ظهرت اليوم بعض إفرازاتها الجديدة مثل داعش وسواهان إضافة للإخوان المسلمين.

ويستخدم الكاتب مصطلح فن بناء الكراهية للتعبير عن تلك الفتن التى تأخذ شكل إثارة القوى السحرية لهوية مزعومة السيادة والهيمنة تحجب كافة الانتماءات الأخرى، وعندما تعطى هذه الهوية شكلا ملائما ميالا للقتال يمكن أيضا أن تهزم أى تعاطف إنسانى أو مشاعر شفقة فطرية طبيعية. والنتيجة قد تكون "عنفًا عارمًا مصنوعًا داخل الوطن، أو إرهابًا وعنفًا مراوغًا ومدبرًا على مستوى كوكبى".

ويرى الكاتب أن هناك عاملين رئيسيين لهذه الظاهرة، الأول داخلى من قبل الأطراف التى تظهر فيها مثل هذه الجماعات المتشددة وتتمثل فى مشكلات ثقافية تجعل العناصر المتطرفة تضخم من قدر هويتها وتتناسى مشكلات هويتها الأخرى مثل المرجعية الوطنية والهوايات المشتركة والقناعات الإنسانية. الأمر الذى يؤدى إلى إغفال الهندوس المتطرفين مثلا إلى مشتركات أخرى تجمعهم مع مواطنيهم الهنود المسلمين مثل أنهم أبناء شبه القارة الهندية، وأبناء ثقافة آسيوية، وغير ذلك. تماما كما يغفل الإسلامى المتشدد أن ما يجمعه مع أهل بلده هويات مشتركة أخرى غير الهوية الدينية مثل الانتماء لحضارة عمرها أكثر من 5000 عام، والانتماء لإفريقيا وللحضارة العربية، الخ.

أما العامل الثانى فهو خارجى ويتمثل فى قيام الأجنبى بتأصيل فكرة أن غير الغربى هو متخلف بالضرورة، ولا أمل له فى أن يصبح متقدما. وهنا لا يكون أمام المتخلف الشرقى إلا العودة لما يرى أنه أمر أصيل يخصه وهو الهوية الدينية، بينما لا يلتفت هذا الإسلامى المتخلف كما وصفه الغرب بأنه صاحب حضارة سباقة فى مجال العلوم مثلا. "فالتصنيف الفج يميل إلى وضع العلوم والرياضيات فى سلة العلوم الغربية، تاركا للشعوب الأخرى البحث عن مفاخرها فى الأعماق الدينية".

يرى صن أيضا أن الخطأ الذى يشترك فيه الغرب هو تشديده على ان احترام الناس الاخرين يتم التعبير عنه بالثناء على كتبهم الدينية، بدلا من ملاحظة الأنشطة والانجازات المتعددة فى مختلف المجالات، وهذا التركيز على التصنيف الدينى "لا يعنى فقط أن يفوت علينا الاهتمامات والأفكار الأخرى التى تحرك الناس بل يؤدى أيضا إلى التضخيم بشكل عام من صوت السلطة الدينية. والنتيجة أننا رغم اختلافاتنا المتنوعة نجد العالم وقد أصبح فجأة ليس مجرد مجموعة من البشر بفدرالية من الأديان والحضارات.

ومن جهة أخرى يقوم الغرب عبر الترويج لمفاهيم مثل صراع الحضارات، وما يشبهها، بترسيخ أن القيم الغربية مثل التقدم والعلم والعقلانية هى قيم متفردة أنتجها الغرب ولا يمكن لغيره أن يقدم مثلها، ويقوم صن بدور تحليلى رائع ليبين كيف أن الكثير بل ربما كل القيم الغربية الشائعة اليوم هى أساسا منتجات شرقية ومن ثقافات أخرى غير الغرب، مؤصلا لجذور الديمقراطية فى الهند، وفى جنوب إفريقيا، عبر تتبع قيم الحياة الاجتماعية للقبائل كما أبرزها نيلسون مانديلا، والتسامح فى الكثير من دول الثقافة الإسلامية، وتجارب النهضة العلمية فى اليابان وكوريا، باعتبار أنهما عندما تخلصا من "وهم التقدم الغربى المتفرد" تمكنتا من تحقيق النهضة ومعهما بقية نمور شرق آسيا.

ويقول "صن" أن وهم القدر الثقافى ليس مضللا فقط بل ويمكن أن يؤدى إلى إضعاف شديد، حيث إنه يمكن أن يولد شعورا بالقدرية والإحجام بين الناس الذين توصف ثقافتهم بعد التميز. وهذا يعنى أيضا أن حريتنا فى تأكيد هويتنا الشخصية أن تكون مقيدة بدرجة غير عادية فى عيون الآخرين مهما كانت نظرتنا لأنفسنا.

ويتجول الكاتب فى تجارب الانفصال المختلفة التى مرت بها شعوب مثل انقسام الهند وانفصال باكستان وبنجلاديش، وانفصال دول البلقان عن يوغسلافيا، وانفصال عدد من الدول الإفريقية ونزعات الانفصال فى مناطق واسعة من العالم، ليوضح كيف أنها كلها تحققت بعد مراحل من تضخيم الإحساس بهويات أصغر، وإيهام الأفراد وتغذية مشاعرهم بأوهام كبيرة عن هذه الهوية الصغيرة مقابل تهميش كل وجوه الهوية الأخرى.

يفيض الكتاب بالأفكار والأمثلة التى تضيق المساحة عن ذكرها، لكنها شديدة الأهمية لأنها توضح لنا كيف أن عقولنا حين يتم غسلها وتقسيمها إلى قسمين فقط، (لاحظ أيضا هنا أن لدينا فى ثقافتنا ترسيخ جبار لهذه الثانائية عبر مفهوم الحلال والحرام) رغم أنها تمتلئ بالكثير من التصنيفات والاهتمامات الأخرى، حين يحدث ذلك نصبح اسرى لأوهام لا تؤدى إلا إلى تصغير حجمنا ككائنات بشرية ضيقة الأفق وضعيفة بفضل الانفصال والتشكك المستمر من الآخر، والقدرة المستمرة بالتالى على صناعة الأعداء من الإخوة والأقارب. وخلق أطراف صغيرة مشتتة وعاجزة بدلا من جسد كامل قادر على الحياة بشكل طبيعي.

ويقول إبراهيم فرغلى: بالنسبة لى هذا كتاب غاية فى الأهمية، لأنه لا يتوقف فقط عند مفهوم الهوية كعائق للسلام بين البشر، بل ويكشف الكثير من أكاذيب صناع الصلاح فى الغرب حول القيم الإنسانية، ويكتب روشتة هامة للتنمية، عبر أمثلة عديدة اقتصادية وتنموية خصوصا وهو اقتصادى مهم حاز نوبل فى الاقتصاد فى 1994.






موضوعات متعلقة..
يقرأون الآن.. محمد المخزنجى يبحث عن تاريخ حاسة الشم فى "الرائحة" ويؤكد: كتاب علمى بمسحة أدبية وفلسفية ويقدم دراسة موسوعية عن الشم عند الحيوانات والنباتات










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة