الأسرار الحرام.. مذكرات كمال الشاذلى.. يوسف والى وسرور هما الأكثر خوفا من أوراق الشاذلى المتناثرة.. لماذا اختفت مذكرات الوزير الأسبق بعد إعلانه الانتهاء من تسجيل أغلبها على شرائط كاسيت

الأربعاء، 13 أغسطس 2014 11:32 ص
الأسرار الحرام.. مذكرات كمال الشاذلى.. يوسف والى وسرور هما الأكثر خوفا من أوراق الشاذلى المتناثرة.. لماذا اختفت مذكرات الوزير الأسبق بعد إعلانه الانتهاء من تسجيل أغلبها على شرائط كاسيت كمال الشاذلى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء




فعلتها ثورة 25 يناير، وفكت كيس الأسرار، وروت فضولنا بماء المعلومات والتفاصيل الخاصة بالكيفية التى كان يدير بها الرئيس الأسبق المخلوع محمد حسنى مبارك شؤون البلاد، بل وبأسرار حياته الشخصية، وكيف كان يتعامل مع وزرائه ورجاله.. فى البلاد المحترمة يمكن للمواطن العادى أن يقرأ نص مذكرات ساخنة ومفصلة لوزير أو مسؤول أو سكرتير أو حارس خاص بالرئيس، يحكى فيها عن طبيعة الرئيس وقراراته المهمة، أما فى مصر فكنا نسمع قصصًا مجتزأة عن رئيس لا يقرأ، ولا يشاهد التليفزيون، ولا يسير فى الشوارع، وعن وزراء ومحافظين يحصلون على الشتيمة والسخرية و«الشلاليت» الرئاسية وهم راضون فرحون، إيمانًا بالقاعدة التى سادت فى عصر مبارك حول أن «شلوت سعادة الرئيس خطوة للأمام».. كنا نسمع تلك القصص المجتزأة، ونقرأ أو نسمع القرارات الرئاسية الغريبة، ويأكلنا فضولنا لمعرفة خلفياتها، وكيفية إقرارها، حتى جاءت ثورة 25 يناير وفتحت لنا باب المغارة الرئاسية، ورفعت حجارة الحظر من فوق ألسنة وصدور عدد من المسؤولين كانوا أقرب الناس من الرئيس، وكان بعضهم يعمل داخل مكتبه وديوانه الرئاسى، وبدأنا نسمع عن قصص وتفاصيل عن الحياة اليومية للرئيس، وعن الطريقة التى كان يدير بها شؤون البلاد، لكنّ بعضًا من هذه القصص ما زالت غائبة، إما بسبب الخوف، أو لأن صاحبها مات قبل أن تكتمل، أو لأن آخرين تدخلوا لمنعها خوفًا مما قد يذكره فى اليوميات.

مذكرات لم تكتمل..

الوضع النظرى السابق يجوز تطبيقه عمليًا على حالة السياسى الراحل كمال الشاذلى، رجل العصور السياسية الثلاثة، وأول من ارتبط اسمه فى العصر الحديث بمفاهيم النفوذ المفتوح، والقوة التى ليس لها نهاية، والجبروت الذى لا يعرف له أحد آخرًا، ومخزن الأسرار الذى كان يملك مفاتيح كل أبواب الحزب الوطنى، ويخضع له الجناح التشريعى للدولة.. الوزير السابق، والسياسى الراحل كان واحدًا من هؤلاء الذين يشاركون فى صناعة الطبخة السياسية لمصر على مدى أكثر من 30 عامًا، كان واحداً من هؤلاء الذين يعرفون مقادير صناعة الأحداث فى مصر جيدًا، ويحددون درجة حرارتها أيضًا، وبالتالى حينما يقول البعض إن لكمال الشاذلى مذكرات لم تكتمل، بدأ فى كتابتها قبل الرحيل بعدة سنوات، فلابد أن يقف شعر كبار رجال السلطة فى مصر، خوفًا من أن تكون أخبار وتفاصيل ما كان يحدث فى المطبخ السياسى للدولة حاضرة فى تلك المذكرات والأوراق.



صحيح أن البعض اعتبر إعلان كمال الشاذلى عن قيامه بتدوين مذكراته السياسية فى عام 2004 مناورة من رجل مغدور به ومجروح بسبب صلاحياته التى تم انتقاصها، ومساحات نفوذه التى تم استقطاعها لصالح آخرين، بل زاد البعض على ذلك واعتبر أن أمر المذكرات مجرد شائعة سياسية جديدة، وراهن آخرون على أن الشاذلى أذكى من أن يكتب مذكرات تتضمن التفاصيل والأسرار الحقيقية، وأن كل ما يمكن أن يفعله الرجل أن يكتب سيرته الذاتية، ويحكى ما هو عمومى من الأشياء، ولم يعِ هؤلاء المشككون فى وجود المذكرات، أو فى شجاعة الشاذلى على تدوين الخطير من الأسرار، أنهم فى الأصل أمام رجل كان ابنًا من أبناء الاتحاد الاشتراكى، وتلميذًا نجيبًا ومدرسًا ماهرًا فى منظمة الشباب، تلك المنظومة التى تجسد المعنى الحقيقى لكتابة التقارير، وتدوين ما يدور، وتسجيل ما هو بسر، وما هو ليس بسر، وإخفائه حتى تحين لحظة نشره التى تحقق المصلحة، سواء كانت تلك المصلحة الفوز بمناورة سياسية فى أثناء تواجده على مسرح الأحداث أو الانتقام من أشخاص بعينهم، وتفجير المسرح بهم بعد رحيله عن الحياة، كما يمكن أن تتابع فى تاريخ إصدارات السير الذاتية التى لم يظهر الانتقامى والفضائحى منها إلا بعد وفاة كاتبها.

رجل بتركيبة كمال الشاذلى إذن لن يترك الدنيا ويرحل هكذا ببساطة، وهل يرحل أصحاب النفوذ والسلطة فى هدوء؟ هل يمكن أن يرحل الرجل الذى كان يحرك مجلس الشعب برفعة حاجب، ويتحكم فى الجلسات بإشارات أصابعه وابتسامات وجهه دون أن يلقى بقنابل أسراره، أو على الأقل يترك خلفه ما يمكن أن ينفجر فى وجه خصومه حتى ولو بعد سنوات؟



ما قاله كمال الشاذلى فى 2002 عن مذكراته يوحى بذلك، بل يؤكد أن الأوراق التى كتبها هذا الرجل عن ذكرياته وسيرته الذاتية والسياسية، حتى ولو كانت قليلة، فهى خطيرة، وتحمل ما يمكن أن ينفجر بالفعل فى وجه خصومه على الأقل.. ركز مع تصريحات كمال الشاذلى فى هذا الشأن، وستصبح على يقين من أن الأوراق التى خلفها الرجل تحمل من المفاجآت أكثر مما نتوقع، فحينما سألوه هل ستقول كل شىء فى هذه المذكرات؟ قال بالطبع، لن أذكر إلا الحقيقة، وبعد أن تحدث الرجل باستفاضة عن مذكراته وحيرته فى اختيار عنوان لها من بين عنوانين هما «شاهد على التاريخ» و«تاريخ نائب عن الأرياف»، وقال إنه قد قطع شوطًا كبيرًا فى تدوين ذكرياته عبر التسجيل على شرائط كاسيت تتضمن تفاصيل نشأته السياسية، ووجوده فى السلطة والبرلمان والحزب الوطنى.

بعد ذكر كل هذه التفاصيل التى أوحت للجميع بأن مذكرات كمال الشاذلى ستصبح قريبًا على أرفف المكتبات، ظهر الرجل فجأة، وتراجع عن فكرة النشر، مبررًا ذلك بأنه سيظل أمينًا على أسرار العمل السياسى، ولن يفصح عنها، ليفتح بمفاجآته هذه بابًا كبيرًا لأسئلة وألغاز محيرة من نوعية: هل تراجع كمال الشاذلى عن نشر مذكراته التى سجل جزءًا كبيرًا منها على شرائط كاسيت بناء على ضغوط من جهات عليا؟، وهل طلبت جهات عليا الاطلاع على ما سوف ينشره وقررت منعه لخطورة ما أورده من أسرار وتفاصيل فى مذكراته؟، وهل تعرض الرجل لتهديد ما أو اكتشف أنه لن يستطيع أن يضع فى مذكراته ما ينال من خصومه مادام هو على قيد الحياة؟، أم أنه اكتشف فى لحظة أن ما يملكه من أسرار كاف لأن يفجّر الكثير من أصابع الديناميت فى أركان الحياة السياسية المصرية؟



من المؤكد أن هناك العديد من الأشخاص لا يرغبون فى أن تتناثر ورقة من أوراق كمال الشاذلى، أو واحد من شرائط الكاسيت التى سجل عليها قصة حياته هنا أو هناك، وربما يكون السياسى الداهية كمال الشاذلى قد قرر ألا يدخل فى معارك يعرف أنها ستقلقه فى أواخر أيام حياته بسبب هذه المذكرات، فقرر أن يتركها لأولاده أو للزمن، وإن صح هذا الاحتمال، فسوف يتحول هذا الإرث إلى صداع فى رأس أبنائه الثلاثة، معتز رئيس تحرير جريدة الجماهير، والمهندس محمد، والسيدة منى، بالإضافة إلى السيدة زوجته نائرة محمد أمين عامر، ومن المؤكد أنهم سيتعرضون لضغوط لوأد الفكرة، أو على الأقل تنقيحها من الأسماء الموجودة فى السلطة والقضايا العالقة، أو تدمير ما تركه الوالد من ذكريات قد تفضح البعض أو تدمر مستقبل البعض الآخر، وتكشف العديد من الكواليس الغامضة والمثيرة فى منطقتى الحزب الوطنى والبرلمان.



وفى تلك المساحة تظهر أسماء بعينها، ربما تكون هى الأكثر خوفًا من ظهور أى مذكرات لكمال الشاذلى تحتوى على معلومات وأسرار حقيقية، أو وقوع أى ورقة أو تسجيل طائش بخط أو صوت الرجل فى يد الصحافة والإعلام، ولعل أحمد عز، أمين التنظيم السابق للحزب الوطنى، والذى خرج من السجن مؤخرًا، يوجد على رأس تلك القائمة التى تخشى ظهور مذكرات كاملة وحقيقية لكمال الشاذلى، فلا يخفى على أحد تلك الخصومة الهادئة بين الطرفين، والتى قد تدفع كمال الشاذلى الذى يرى أنه فتح الباب لأحمد عز فوجد عز فى مكانه رأسًا برأس بعد عدة سنوات يناطحه ويعاديه، ويقلم أظافر رجاله فى الحزب، إلى أن يكشف القصة الحقيقية للصعود السريع لإمبراطور الحديد، ورجل الحزب القوى.

ففى 2004 وبعد أن خسر الشاذلى منصبه الوزارى، وتم تجريده من نصف صلاحياته الحزبية لصالح أحمد عز الذى اقتسم مع الشاذلى أمانة العضوية والتنظيم، بدأت حرب صامتة بين الطرفين، أو ما عرف وقتها بمعركة الحرس القديم والجديد.



وفى الوقت الذى حاول الشاذلى فيه أن يتمسك بالقطعة الوحيدة التى تربطه بالسلطة، وهى أمانة تنظيم الوطنى، فوجئ الرجل بأحمد عز يسيطر ويتوغل ويحصل على أمانة التنظيم، ويضع حدًا لنفوذه داخل الحزب عام 2005، ومهما حاول البعض تخفيف حدة عملية التفتيت هذه على كمال الشاذلى فلن ينجح فى أن ينكر غضب الشاذلى من مصيره، خاصة أنه هو كان صاحب الفضل فى التحاق عز بالحزب الوطنى فى انتخابات 1995، ومن وقتها وعز يتقدم ليأكل من نصيب الشاذلى فى كعكعة الحزب قطعة قطعة، ببطء وهدوء حتى أزاح الشاذلى، ثم بدأ فى إزاحة رجاله فى الحزب وفى المنوفية، مثلما ذهب بكل المرشحين السابقين للحزب الوطنى، وجاء بكل المناصرين له، وتمكن من استبعاد حسن حميدة، محافظ المنوفية الأسبق، الذى كان على علاقة قوية بكمال الشاذلى، وشارك فى المجىء باللواء سامى عمارة محافظًا للمنوفية، وإزاحة أمين الحزب الوطنى فى المنوفية سامى ياسين، والمجىء بالدكتور مغاورى شحاتة، رئيس جامعة المنوفية الأسبق، الذى رفض الشاذلى من قبل ترشحه على قوائم الحزب الوطنى، وقام بإبعاده من رئاسة جامعة المنوفية، ليعود «مغاورى» على يد أحمد عز كأمين لتنظيم الوطنى.



كل هذه المعارك الخفية، وأكثر منها تبدو أسبابًا منطقية لأن يكون عز فى مرمى نيران مذكرات كمال الشاذلى، بذكر الكثير من أسرار وتفاصيل رجل الحديد القوى، ورحلة صعوده داخل الحزب الوطنى، وربما يكون للشريك الآخر فى عملية تفتيت إمبراطورية الشاذلى السلطوية، الدكتور مفيد شهاب، نصيب من نيران تلك المذكرات بعد أن حصل على حقيبة كمال الشاذلى البرلمانية، وقيل وقتها إن مفيد شهاب جاء ليهدم ما بناه الشاذلى فى 30 عامًا، وهو الكلام الذى لم يعجب كمال الشاذلى، وحاول الرد عليه بدلوماسية أعاد فيها الرأى والحكمة والمشورة كعادته إلى القيادة السياسية، لكن يبدو أن غضب الشاذلى على مفيد شهاب كان قد أسمع مفيد شهاب وأقلقه، لدرجة دفعته لأن يداوم على التصريح فى كل مناسبة بأنه جاء مكان كمال الشاذلى بناء على تعليمات القيادة السياسية، ولم ولن يكون فى يوم ما وسيلة أو أداة لضرب كمال الشاذلى.

يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، كان شريكًا منذ البداية لكمال الشاذلى فى أعمال الحزب الوطنى، وارتبط اسماهما كثيرًا بالاختيارات التى دائمًا ما أشعلت الخلافات، كما ارتبط اسماهما بمجاملات اختيار المرشحين، ومن المؤكد أن شخصًا مثل يوسف والى يخشى كثيرًا من لحظات الحقيقة التى قد يذكرها الشاذلى فى مذكراته فى إطار مراجعة الذات وتطهيرها.. الدكتور فتحى سرور هو الآخر ربما يكون ضمن قائمة الأكثر خوفًا من ظهور مذكرات حقيقية وصادقة لكمال الشاذلى، لأنه بالتأكيد سيكتب عن براعته فى السيطرة على المجلس، وسيذكر كيف كان يحرك النواب بغمزة عين، ورفعة حاجب، وهى تفاصيل تدين الدكتور سرور، وتكشف عن كون الشاذلى كان الرئيس الفعلى للبرلمان، كما كان يتردد.



الأسماء الثلاثة السابقة يمكنك أن تعتبرها نماذج لأسماء أخرى مختلفة من رجال مبارك، تخشى من مذكرات كمال الشاذلى الذى كان قريبًا من مجريات الأحداث، ومثلما تشكل هذه الأسماء نماذج لرجال فى السلطة، يمكن الإشارة إلى عبدالرحيم الغول كنموذج للنواب الذين اعتمد الشاذلى على وجودهم داخل المجلس، وكانت لهم أدوار محددة، وبالتأكيد لن تكون هذه الأسماء فى حالة رضا حينما تقرأ تفاصيل تحريكها كقطع الشطرنج، وكيف تحولوا إلى أدوات ينفذ بها كمال الشاذلى الأوامر الحكومية مقابل حصولهم على ما يرضيهم، أو حتى مقابل ضمان وجودهم داخل المجلس. وعلى نفس المنوال ستجد أن الكثير من رجال الأعمال الذين اقتربوا من الحزب فى حالة خوف من ذكر أى تفاصيل حقيقية فى مذكرات الشاذلى عن دورهم. وبعيدًا عن أهل السلطة والحزب والبرلمان، يمكنك أن تضيف نموذجًا آخر للأشخاص الخائفين من ظهور مذكرات كمال الشاذلى، وهذا النموذج ربما يكون فضائحيًا أكثر من سابقيه، لأنه يرتبط برجال الأحزاب المصرية الذين قدموا أنفسهم للناس كمعارضين أبطال.

فى مذكرات رجل مثل كمال الشاذلى اشتهر، وانتشر عنه فى فترات عزه أنه كان مهندس صفقات الأحزاب، أو اتفاقات المعارضة مع الحكومة والحزب، يمكنك أن تجد الكثير من الحكايات عن أمور تنصل منها كبار رجال هذه الأحزاب، وكبار المعارضين فى مصر، خاصة أولئك الذين تزامن وجودهم مع وجود كمال الشاذلى فى بؤرة الأحداث، والسيطرة عليها، مثل السيد البدوى، ورفعت السعيد، ومحمود أباظة، ونعمان جمعة، ومحمد أبوالغار، وغيرهم من رجال الحركات السياسية الذين ظل كمال الشاذلى يلعب معهم دور الوسيط، وحلّال العقد مع النظام.




إذن نماذج كثيرة ومختلفة ومنتشرة فى مختلف أجهزة الدولة من حقها أن تخاف من مذكرات كمال الشاذلى، فالرجل لم يكن سياسيًا عاديًا، أو مجرد حامل حقيبة وزارية أو برلمانية، فلقد كان شريكًا أساسيًا فى صناعة هذا النظام، وصناعة رجاله وأدواته وشخوصه، ولا يوجد أحد يمكن أن يخاف أهل السلطة من حكاياته وأسراره أكثر من هذا الذى ساهم فى بناء المنظومة الفاسدة، ووضع قواعد فسادها، ولا يوجد شخص يمكن أن يخاف منه أى مسؤول على رأسه «بطحة» فساد أكثر من الخوف من الرجل الذى صنعهم، أو على الأقل كان شاهدًا على رحلة صعودهم.













مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة