عمرو جودة

أصبح عندى الآن قضية

الجمعة، 08 فبراير 2013 05:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يدعى كل جيل أنه الأسوأ حظا، وأن زمن الأجيال السابقة أو اللاحقة أكثر إشراقا وإنصافا، لكنى أستطيع أن أجزم أن جيلى – وهو الذى نشأ وتعلم وتكون فى عصر مبارك – كان أتعس الأجيال حظا، ولم يظلم جيل منذ بناء مصر الحديثة على يد محمد على مثلما ظلم هذا الجيل، فرغم القدرات الهائلة التى وهبتها له ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلا أنه لم يعرف ماذا يمكن فعله بهذا السلاح الرهيب، فلم يكن لديه حلم أو مشروع أو هدف عام يلتف الجميع حوله.. لقد كان جيلا بلا قضية، وجيل بلا قضية كقطيع من الخراف الضالة، يقتات السراب، ويلتحف المجهول، ويجرى لاهثا كى يطارد ظله.

جرت العادة أن يسلم كل جيل الراية إلى الجيل التالى، وكثيرا ما كانت تحدث مشاكل فى عملية التسليم والتسلم، وقد تكون الراية مطموسة أو منكسة فى بعض الأحيان، إلا أنها موجودة دائما كى تورث، إلا نحن، لم تكن ثمة راية لنرثها مثل كل سابقينا، فأجيال ما قبل ثورة يوليو كانت لديها قضية بناء دولة حديثة لتتحرر من المحتل الغربى المتفوق، وبعدها كان جيل الخمسينات والستينات ينعم بالحلم الناصرى الجميل حتى وإن انتهى بكابوس، وجيل السبعينيات كانت لديه قضية تحرير سيناء والانطلاق بقدوة دفع انتصار أكتوبر إلى صف دول أصغر منا فى الحجم وأكبر منا فى القيمة.

وعندما جاء دورنا مددنا أيدينا لتسلم شعلة تنير مسيرتنا العسيرة، لم نجد غير الفراغ والحيرة، فتحنا أعيننا.. كان هناك ألف سبيل لهدف واحد مجهول، لم نجد دليلا يرشدنا عن وجهتنا أو يعلمنا كيف نصنع رايتنا، فتجمد "الجيل الضائع" فى مكانه يتلقى هجمات كاسحة تشنها مؤسسات الدولة عبر سنوات، لتجرف وعيه بثقافة وفنون كالسموم، وتدمر بدنه بسرطان مستورد من أكبر أعدائنا، وتوأد أحلامه وطموحاته فى وحل مستقبل أسود، كى ينتهى جثة حية فى انتظار موت بعيد المنال، وبذلك لا يمثل تهديدا على السلطة الحاكمة مثلما فعلت أجيال سابقة كانت مسلحة بأحلام حقيقية وراية واضحة المعالم.

هكذا كتب علينا الضياع، واشتبهت علينا السبل ، وتمزقت إرادتنا بين السراب واليأس.. حتى جاء هذا الجيل، وأدرك فى لحظة تاريخية أن القضايا "لا تورث كاللغة"، ولا تحتاج لآلهة كى تخلق من عدم.. فقرر أن يقول للثورة: كونى.. فكانت.. وبعدها هتف: "أصبح عندى الآن قضية".. ثم استراح.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة