ثقافة

كتاب جديد لفؤاد أنور عن "متدينى إسرائيل وعلمانييها"

الخميس، 20 يناير 2011 04:08 م

كتب وجدى الكومى

كتاب "خلافات المتدينين والعلمانيين فى إسرائيل

صدر عن المجلس الأعلى للثقافة كتاب للدكتور أحمد فؤاد أنور الأستاذ بجامعة الإسكندرية، تحت عنوان "خلافات المتدينين والعلمانيين فى إسرائيل – رؤية الصحافة العبرية"، وذلك على صعيد القضايا الاجتماعية والثقافية والأمنية والتشريعية.

يسعى الكتاب لاستشراف ما سيسفر عنه تذمر المعسكر العلمانى على التفرقة فى التعامل والواجبات بينهم وبين نظرائهم المتدينين فى صفوف الجيش الإسرائيلى، هذا مع ملاحظة أن الأوضاع تتفاقم خطورتها فى الآونة الأخيرة، نظرا لأن المجتمع الإسرائيلى أصبح كيانين لهما استقلالية ما.

يعد هذا الكتاب دراسة حول ملف الخلافات الداخلية فى إسرائيل، وتحولات المجتمع الصهيونى وتناقضاته، قدم من خلاله رؤية شاملة درست إمكانية وصول الصدام التاريخى بين الصهاينة ومجتمعاتهم لمحطة الاشتباك المباشر الدامى، وإن كان فى الوقت نفسه يشدد على عدم الركون إلى هذا وعدم استمرار الاستعداد والرصد العلمى للآخر فى جميع الأحوال، وتقديم خرائط معرفية مستحدثة عنه، ويحذر من أن نبقى دوما أسرى رد الفعل.

ومن بين الخلافات المتنامية أوضح الدكتور فؤاد أن الخلاف حول الميزانيات وأوليات توزيعها، والعائد من تلك المخصصات، تعتبره الصحافة محل الدراسة قضية أساسية، يجب أن تحظى باهتمام الرأى العام، وهى تسعى لإثارة الرأى العام بإقناعه، بالإحصائيات والأرقام من خلال عقد المقارنات، بأن الأحزاب الدينية تبتز الأغلبية، مقابل تصويتها لصالح الائتلاف الحكومى، وتمرير بعض القوانين. وكثيرا ما تلجأ الصحف محل الدراسة لفضح الشركات التى تدعم المتدينين اقتصاديا، لكى تكف عن تقديمها لهذا الدعم. وتعمل على تصعيد القضية الخلافية أو طرح حلول بديلة تتبنى وجهة نظر العلمانيين فقط للخلاف. وأن الأمور وصلت لحد استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية لفرض الرأى فى هذا المجال.

وتتعاظم أهمية تلك الخلافات على الصعيد العسكرى فى ظل حقيقة أن المجتمع المدنى والمجتمع العسكرى فى إسرائيل يكادان يكونان وجهين لعملة واحدة، ولذلك شاعت مقولة أن إسرائيل جيش له دولة. أو أنها معسكر جيش كبير. والدليل على ذلك الإحصائيات التى تؤكد أن 88% من الذكور فى إسرائيل يخدمون فى الجيش الإسرائيلى، سواء فى القوات النظامية أو قوات الاحتياط، كما أن 62% من النساء فى إسرائيل يخدمن فى القوات النظامية، وهى نسبة مرتفعة إذا لاحظنا أن نحو 20% من سكان إسرائيل هم من فلسطينيى الـ 48 وغالبيتهم لا يخدمون فى الجيش، بجانب أنصار المعسكر الحريدى الذين يرفضون الخدمة أيضا.

إذا كان المعسكر الدينى منقسما إزاء الموقف من التجنيد -حيث يرى التيار الدينى القومى أنه لا مانع من التجند بشروط - "فإن التيار الدينى بشقيه يرى عدم السماح للفتاة الدينية فى حال تجنيدها، بالخدمة فى الوحدات المقاتلة. ويرتكز التيار الدينى فى موقفه هذا على فقرات من الكتب المقدسة تحض على أن تقبع المرأة اليهودية فى بيتها لخدمة زوجها وأولادها، مما يشير إلى وجود مستويات من التشدد داخل معسكر المتدينين بالنسبة لهذه الإشكالية، وأن الانضمام للجيش لا يعنى نهاية المعضلة، فهو فى بعض الحالات يعد بداية لها، مع مراعاة أن الحروب الطائفية الدينية بين اليهود لم تكن مستغربة، ففى العصور القديمة ظهرت فرقة الصدوقيين، وانتهت هذه الفرقة بدمار الهيكل الثانى عام 70م. وقد ظهرت فرقة مناوئة للصدوقيين سُمى أتباعها بالفريسيين عام 200 ق.م سيطروا على الحياة اليهودية حتى عام 200 م، وكانوا يتفنون فى تأويل النص بما يناسب أهواءهم. وتمثل اليهودية الأورثوذكسية فى الوقت الحاضر الفكر الفريسى أصدق تمثيل.

من ناحية أخرى يوضح لنا الكتاب الهام الصحف العبرية المستقلة والأكثر توزيعا فى إسرائيل ترى أن التعامل الحالى بالنسبة لقضية تمثل نحو 20% من السكان اليهود، والخاصة بتدخل المحاكم المدنية فى قضايا الزواج والطلاق ضرورة يجب السعى لتحقيقها لتجاوز الجمود الذى تصر عليه المحاكم الحاخامية، كما تسهب تلك الصحف فى استعراض نماذج لفساد تلك المحاكم الحاخامية ومعاناة المرأة الشاكية وأبنائها من هذا الجمود والانحياز والفساد، وتنظر الصحافة محل الدراسة فى الإطار نفسه للزواج المدنى أو الزواج البديل، بشكل إيجابى، وتروج للمنظمات الداعية له، كما تخصص مساحات كبيرة لاستعراض الأفكار غير التقليدية فى السياق، مثل: زواج الإشهار وحذف بند الحالة الاجتماعية من بطاقة الهوية فى إسرائيل.

كما تضغط الصحف على القوى السياسية العلمانية لكى تدعم -عند التصويت فى الكنيست- مشروعات قوانين جديدة تتيح الزواج المدنى فى إسرائيل دون عراقيل، وكل هذا ينم عن موقف متشدد، مع ملاحظة أن هذه المعالجة وهذه المواقف أثمرت عن إعلان حزبى "يسرائيل بيتينو" و"كاديما" تأييدهما للزواج المدنى، وضمن كلاهما برنامجه الانتخابى ذلك فى انتخابات 2006.

وفى الإطار نفسه رصد الكتاب الجديد القضايا الثقافية محل الخلاف الداخلى فى إسرائيل، ومساعى السيطرة على المحيط الثقافى فى إسرائيل من القضايا المحتدمة على سطح الأحداث فى المجتمع الإسرائيلى، باعتبار أن الثقافة والمؤسسات الثقافية والتعليمية كالمضخة التى تمد كل معسكر بمزيد من الأنصار، وهو ما جعل الخلاف يحتدم أيضا حول المؤسسات التعليمية والمحتوى الثقافى الذى تتبناه وتزرعه فى عقول التلاميذ. وغنى عن البيان أن السلطة التشريعية لها صلاحيات من شأنها إعادة صياغة أوليات الدولة بشكل مستمر. وهى سلطة لا تقل فى تأثيرها عن السلطة التنفيذية.

أحمد فؤاد رصد الخلافات من خلال محاور على غرار الخلاف حول توجهات التعليم الدينى، والموقف من حرية الابداع والمؤسسات الثقافية، مدى التجاوب مع ثقافة قبول الآخر..الخ، وإجراءات التهويد، والمحاكم الحاخامية اليهودية، والخلاف حول سن القوانين الجديدة والانصياع للسلطة القضائية، والانتقادات للحاخامية الرئيسية والدعوة لإلغائها.